Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 249-252)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } . أي : من المدينة . قيل : هم سبعون ألفا . وقيل : كانوا مائة ألف ، سار بهم في حر شديد ، فنزلوا في قفرة من الأرض ، فأصابهم عطش شديد ، فسألوا طالوت الماء ، فقال لهم طالوت : { إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } . قيل : نهر بين الأردن وفلسطين . وقيل : هو نهر فلسطين . [ وقيل : إنما قال لهم : إن الله مبتليكم بنهر نبيهم . وقوله : { فَمَن شَرِبَ } غرفة كفاه ، ومن شرب أكثر منه لم يروه ؛ لأنهم عصوه . وقيل ] { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } . أي : ليس معي على عدوي ، أي : لا يخرج معي . ويجوز { فَلَيْسَ مِنِّي } من أتباعي وشيعتي . وجائز أن يكون به ظهور النفاق والصدق { مِنِّي } في الدين . { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } . يقول : { مِنِّي } ، أي معي على عدوي . فيه دليل أن يسمي الشراب باسم الطعام . والطعام باسمه . { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } . استنثى ( الغرفة ) ، كأنه قال : من شرب منه فليس مني إلا غرفة . ففيه جواز الثنيا من الكلام المتقدم وإن كان دخل بين حرف الثنيا وحرف الأول شيء آخر . وهو يدل لأصحابنا ، رحمهم الله تعالى ، حيث قالوا : فيمن أقر ، فقال : " لفلان على كُرُّ حنطة وكر شعير إلا نصف كر حنطة " ، أنه يصدق ويلزمه من الحنظة نصف كر . ويحتمل أن يكون الثنيا على ما يليه قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً } . وقيل : شرب شرب الدواب . و ( الغرفة ) هي شرب . وقوله : { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } . قيل : ( القليل ) هم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً اغترفوا غرفة واحدة بأيديهم ، وكانت الغرفة يشرب منها هو وخدمه ودوابه . وقيل : إنما استثنى الغرفة باليد لئلا يكرعوا كراع الدواب ، ففعل بعضهم ذلك ، فرد طالوت العصاة منهم ، فلم يقطعوا معه ، وقطع معه الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً وهو قوله تعالى : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } . قيل : هو قول بعضهم لبعض : { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ؛ لأنهم أكثر منا ، وكانوا مائة ألف ، وهو ثلاثمائة وثلاثية عشر . والله أعلم بذلك العدد . وقوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } . قيل : الذين يعلمون ويقرون بالبعث . { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . أي : عددهم . وقيل : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } ، يعني يخشون أنهم يقتلون ؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على الموت ، فطابت أنفسهم بالموت { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً } . وقوله : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، أي بأمر الله . لكنه لا يحتمل الغلبة بالأمر ، ولكن { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، عندنا : بنصر الله . وقوله : { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } . بالنصر والمعونة لهم . وقوله : { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } . يعني لقتالهم . وقوله : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } . يقول : اصبب . ويقال : أتمم علينا صبرا . وهكذا الواجب على كل من لقي العدو أن يدعو بمثل هذا . وعلى قول المعتزلة لا معنى لهذا الدعاء ، لأنه قد كان فعل بهذا الأصلح . فاستجاب الله دعاءهم ، وهزم عدوهم ؛ وهو قوله تعالى : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } . قال بعضهم : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، بأمر الله . لكن لا يحتمل ؛ لأنهم كانوا يقاتلون بالأمر ، ولا يهزمون بالأمر . وقال آخرون : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، يعلم الله ، كان في علمه في الأزل أنهم يهزمونهم . وقيل : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، بنصر الله . وهو أقرب . والله أعلم . وقيل في القصة : إن داود ، عليه السلام ، كان راعياً ، وكان له سبعة إخوة مع طالوت خرجوا معه للقتال : ولما أبطأ خبر إخوته على أبيهم أرسل داود إليهم لينظر ما أمرهم ويأتيه بخبرهم . قال : فأتاهم وهم في الصفوف . فبرز جالوت ، فلم يخرج إليه أحد . فقال : ( يا بني إسرائيل ) لو كنتم على حق لخرج إلي بعضكم . فقال داود لإخوته : أما فيكم أحد يخرج إلى هذا الأقلف ؟ قال : فقالوا : اسكت . قال : فذهب داود إلى طالوت ، فقال : أيها الملك ، إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو . ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف ؟ قال طالوت : أنكحه ابنتي ، وأجعل له نصف ملكي . فقال داود لطالوت : فأنا أخرج إليه . فلما قال داود : ( أنا أخرج إليه ) ، قال له طالوت : من أنت ؟ قال : أنا داود بن فلان . فعرفه طالوت ، ورأى أنه أجلد إخوته . قال : فأعطاه طالوت درعه وسيفه . قال : فلما خرج داود في الدرع جرها في الأرض ؛ لأن طالوت كان أطول منه . قال : فأخذ داود العصا ثم خرج إلى جالوت . فمر بثلاثة أحجار ، فقلن : يا داود خذنا معك ، ففينا ميتة جالوت . فأخذها ثم مضى نحوه . وعلى جالوت بيضة هي ثلاثمائة رطل . فقال له جالوت : إما أن ترميني ، وإما أن أرميك ؟ فقال له داود : بل أنا أرميك . فرماه بها ، فأصابه في آخرها ، فوقعت في صدره ، فنفذته وقتلته ، وقتل الحجر بعد ما نفذ جنوداً كثيرة ، وهزم الله جنوده . وهو قوله : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } ، والقصة طويلة فلا ندري كيف كانت القصة وليس لنا إلى معرفتها حاجة . وقوله : { وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ } . فالملك يحتمل : علم الحرب ، وسياسة القتال ؛ إذ لم يكونوا يقاتلون إلا تحت أيدي الملوك ، وهو كقوله : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } [ ص : 20 ] . ويحتمل : { ٱلْمُلْكَ } ، بما عقد له من الخلافة ؛ كقوله : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] . وذكر : { وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ } الأمرين لما كان من قرب زمانه على ما عليه ابتداء الآية أن الملك يكون غير نبي ، فجمعا جميعاً له فيكون على ذلك تأويل الحكمة أنها النبوة . { وَٱلْحِكْمَةَ } ، قيل : هي الفقه . وقيل : هي النبوة . وقد تقدم ذكره . وقوله : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } . قيل : صعنة الدروع ، كقوله : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] . وقيل : كلام الطير ، وتسبيح الجبال ، كقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [ سبأ : 10 ] . وذلك مما خص به داود دون غيره من الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام . ويحتمل : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } ، أشياء أخر . وقوله : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } . اختلف فيه : قال بعضهم : دفع بالكفار بعضهم ببعض شرهم عن المسلمين ، لما شغل بعضهم ببعض ، وجعل بعضهم لبعض أعداء إلى أن لم يتفرغوا عن أنفسهم للمسلمين ، وإلا كان في ذلك فساد الأرض . وقال آخرون : دفع بالرسل والأنبياء شرهم عن المسلمين ، وكفاهم بهم . وقال غيرهم : دفع بالمؤمنين بعضهم عن بعض - دفع بالمجاهدين في سبيل الله عن القاعدين عن الجهاد ، وإلا لغلب المشركون على الأرض . وقيل : بدفع بالمصلي عمن لا يصلي ، وبالمزكي عمن لا يزكي ، وبالحاج عمن لا يحج ، وبالصائم عمن لا يصوم . ثم اختلف في قوله : { لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } . قيل : لو لم يدفع بعضهم ببعض لقتل بعضهم بعضاً ، وأهلك فريق فريقاً ، وفي ذلك تفانيهم وفسادهم ، وفي ذلك فساد الأرض . وقال آخرون : لو لم يدفع لفسدت الأرض ، أراد بفساد الأرض فساد أهلها ؛ لأنه لو لم يدفع لغلب المشركون على أراضي الإسلام وأهلها . فإذا غلبوا فسد أهلها . وقال : { لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } ، إذا غاب المشركون عليها هدمت المساجد والصوامع ، ففيه فساد الأرض . والله أعلم . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } . وعلى قول المعتزلة : ليس هو بذي فضل على أحد ؛ لأن عليه أن يفعل ذلك ، وأن يدفع ذلك كله عن المسلمين على قولهم ، فإذا كان عليه ذلك لا يصير هو بما يدفع مفضلاً ولا ممتنّاً . فنعوذ بالله من السرف في القول . وقوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . يحتمل قوله : { آيَاتُ ٱللَّهِ } ، ما ذكره من قتل داود جالوت بالأحجار . ذكر في القصة مع ضعف داود وقوة جالوت ، على ما قيل : إن قامته كانت قدر ميل ، وإن بيضته كانت ثلاثمائة رطل . ويحتمل : ما ذكر من قيام القليل للكثير ؛ لأنه قيل : إن جنود جالوت مائة ألف ، وجنود طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر . وذلك من الآيات . ويحتمل : جميع ما قص الله عليه في القرآن من خبر الأمم السالفة . والله أعلم . وفي قتل داود جالوت ، وقتل القليل الكثير ، دليل : أنهم لم يقتلوا لقوة أنفسهم ، ولكنهم بالله وبنصره إياهم . قال الشيخ - رحمه الله - : من آيات وحدانيته : قتل داود جالوت مع ضعف داود وقوة عدوه .