Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 261-263)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . يحتمل ضرب مثل النفقة في سبيل الله بالحبة التي ذكر وجهان : أحدهما : أن يبارك في تلك النفقة ، فيزداد وينمو ، على ما بارك في حبة واحدة فصارت سبعمائة وأكثر . والثاني : قال : { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } [ البقرة : 276 ] ، ورأوا الصدقة تتلف وتتلاشى في أيدي الفقراء فقالوا : كيف تربى ، وهي تالفة ؟ فقال : تربى كما أربي الحبة في الأرض بعد ما تلفت فيها وفسدت ، فصارت مائة وزيادة . فعلى ذلك الصدقة في طاعة الله والنفقة فيما يربي وإن كانت تالفة . وقيل : إنها منسوخة بالفرائض . لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنه نسخ وعد في الآخرة ، والوعد لا يحتمل النسخ ، إلا أن يعنون نسخ عين الصدقة بغيرها ، فأما الوعد فهو حالة . والله أعلم . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . قيل : { وَاسِعٌ } ، غني . وقيل : { وَاسِعٌ } ، جواد ، يوسع على ما يشاء . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى } . قال المفسرون : للجهاد ، خصوا الجهاد بهذا . والله أعلم . لأن العدو إذا خرجوا لقتال المسلمين خرجوا للشيطان ، ويسلكون سبيله وطريقه ، والمؤمنون إنما يخرجون ليسلكوا طريق الله تعالى ، وينصروا دينه وأولياءه ؛ لذلك كان التخصيص له لقولهم ، وإلا كان يجيء أن يسمي الطاعات كلها والخيرات ( سبيل الله ) ؛ لأنه سبيل الله وطاعته ، كقوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } [ النساء : 76 ] . وقوله : { ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى } . اختلف فيه : قيل : { مَنّاً } ، على الله ، و { أَذًى } ، للفقير . وقيل : { مَنّاً } ، على الفقير ، و { أَذًى } ، له . ثم قيل : منه على الفقير عد ما أنفق عليه وتصدق ، وأذاه وتوبيخه عليه بذلك . وأما منّه على الله تعالى ؛ كقوله تعالى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الحجرات : 17 ] . وقوله تعالى : { لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . وقوله تعالى : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } . قيل : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، كلام حسن ، يدعو الرجل لأخيه بظهر الغيب . وقيل : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، يستغفر الله ذنوبه في السر و { وَمَغْفِرَةٌ } له ، يغفر له ، ويتجاوز عن مظلمته . وقيل : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، الأمر بالمعروف خير ثوابا عند الله من صدقة فيها أذى ومن . فإن قيل : كيف جمع بين قول المعروف والمغفرة وبين الأذى والمن ، فقال : ( خير من كذا … ) ، وأحدهما خير والآخر شر ، وإنما يفعل هذا إذا كانا جميعاً خيرين ، فيقال : " أيهما أخير " ؟ قيل : معناه - والله أعلم - هذا خبر لكم من ذلك ، وهو كقوله : { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } [ الجمعة : 11 ] ، [ أي : خير لكم في الآخرة من اللهو والتجارة ] في دنياكم ، وإن لم يكن اللهو والتجارة من جنس ما عند الله ، فعلى ذلك الأول . ويحتمل : أن تكون الآية على الابتداء ، لا على الجمع : هذا خير ، وهذا شر . قال الشيخ - رحمه الله تعالى - : ووجه ذلك أن الصدقة قربة ، وهي خير ، فإذا أتبعها الأذى أبطلها ، فيكون { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، أي : رد جميل للسائل خير من إجابة في البذل ، ثم الرد بالأذى ؛ لأن هذا يبقى ، وإن كان لا ينشفع به الآخر ، والصدقة [ لا ] ، وإن كان ينتفع بها الفقير . والله أعلم . وقال بعضهم : ( المن ) و ( الأذى ) ، أن يقول للسائل : خذه ، لا بارك الله فيه لك . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ } ، عن صدقاتكم ، { حَلِيمٌ } ، لا يعجل بالعقوبة عليكم بالمن والأذى .