Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-286)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . هو ظاهر ، إذ ما في السماوات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ، ردّاً على قولهم : { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] ، و { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] ، و " الملائكة بنات الله " . وقد ذكرنا الوجه فيما تقدم في غير موضع . وقوله تعالى : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . ومن الناس من استدل على نسخها بقوله : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } ، لكنه لا يحتمل ؛ لأن الآية وعد وخبر بالمحاسبة ، والوعد لا يحتمل النسخ ؛ لأنه خلف وبداء ، وذلك ممن يجهل بالعواقب ، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيراً . ثم اختلف فيه : قال الحسن : هو على ما عزم ولا على ما خطر بالنفس . وكذا قوله : " من هم " . ويحتمل أن يكون على التقديم والتأخير : إن تخفوا ما في أنفسكم أو تبدوه يحاسبكم به الله . ويحتمل أيضاً : إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه وعزمتم عليه وعقدتم ، لا على الخطر فيه أو حديث النفس ، على ما روي : " من هم بحسنة فله كذا ، ومن هم بسيئة فكذا " ، ليس على ما يخطر فيه أو حديث النفس ، على ما روي ، وتحدث النفس به ، ولكن على العزم عليه والاعتقاد . وكذلك قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [ يوسف : 24 ] ، همت هي به هم عزم ، وهو هم بها هم خطر . والمرء غير مؤاخذ بما يخطر في القلب وتحدث النفس به ، إنما يؤاخذ على ما عزم واعتقد عليه . والله أعلم . وقوله تعالى : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . فيه دليل ما قلنا : إنه على العزم والاعتقاد عليه ؛ لما ذكرنا من العفو والعقوبة عليه . وقوله تعالى : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } . قوله : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } ، يحتمل وجهين : يحتمل : آمن بنفس المنزل { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } ، أنه من عند الله وكذلك { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أيضاً آمنوا بما أنزل إليه أنه من عند الله تعالى . ويحتمل : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } ، أي : آمن الرسول بما في المنزل إليه ، وكان فيه ما ذكر : { آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } ، إلى قوله : { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } ، وكذلك " المؤمنون " آمنوا بجميع ما في المنزل ، وهو ما ذكرنا . وفيه دليل أن الإيمان بالمنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمان بجميع الرسل والكتب كلها والملائكة والبعث والجنة والنار . وفيه دلالة نقض قول من يشك في إيمانه ويستثني ؛ لأنه عز وجل شهد لهم بالإيمان ، فلا يخلو الاستثناء : إما أن يكون لشكهم في إتيان ما أمروا ، أو في الذي أخبر الله عنه بما كان ، ففيه الويل لهم . وفيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه شهد لهم بالإيمان ، وهم نفوا عنهم الاسم الذي شهد الله لهم بالإيمان به ، وبالذي ذكر ، وكل صاحب كبيرة مؤمن بجميع ما ذكر ، وقد سماهم الله به مؤمنين ، وشهد لهم به . والله الموفق . فإن قيل : فقد ذكر الطاعة في آخرها . قيل : ذكر الطاعة في الإجابة ، وبتلك الإجابة شهد لهم ؛ فيلزمهم ما شهد الله لهم جل وعلا بما أجابوا . والله أعلم . وقوله تعالى : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } . ويحتمل : أن يكون هنا خبرا أخبر الله عز وجل عن المؤمنين أنهم قالوا : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } كما فرق اليهود والنصارى . وقوله تعالى : { … وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } . يحتمل : { سَمِعْنَا } قولك ودعاءك ، و { وَأَطَعْنَا } ، أي : أطعناك في الإجابة . ويحتمل : { سَمِعْنَا } القرآن ، و { وَأَطَعْنَا } ، أي : أطعنا ما فيه . والله أعلم . وقوله تعالى : { … غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } . أي : اغفر لنا ربنا . { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } . أي : المرجع . وهذه الآية جمع جميع شرائط الإيمان ؛ لذلك قلنا : إن الإيمان بالقرآن إيمان بجميع الكتب والأنبياء والبعث وغيره . وبالله العصمة والنجاة . وقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . اختلف فيه : قال الحسن : قوله تعالى : { إِلاَّ وُسْعَهَا } ، إلا ما يحل ويسع ، لكن بعض الناس يقولون : هذا بعيد ، لا يحتمل الآية ، إذا كلف حل ووسع . فإذا كان كذلك لم يكن لقوله معنى . قيل : له : هو كقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } [ المائدة : 4 ] ، إذا أحل طَيِّب وإذا طيب أحل . فكذا الأول . وكذا ذكرنا الأمرين جميعاً . وتأويل ثان { إِلاَّ وُسْعَهَا } : إلا طاقتها وكذلك قول المعتزلة : [ غير أنا اختلفنا في تقدم استطاعة الأفعال فمنعنا نحن تقدمها وقلنا لا تكون إلا مع الفعل ، وقالت المعتزلة ] بتقدم الفعل ، وأما عندنا : فإنها على وجهين : استطاعة الأحوال والأسباب ، واستطاعة الأفعال . أما استطاعة الأحوال والأسباب : فإنها يتقدمها ، وعلى ذلك يقع الخطاب ، دليله : قوله عز وجل : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ آل عمران : 97 ] . قيل : يا رسول الله ما الاستطاعة ؟ قال : " الزاد والراحلة " . ثم كل يجمع أن من كان بأقصى بلاد المسلمين قد يلزمه فرض الحج ، على علم كل منهم أن تلك الاستطاعة لو صرفت إلى استطاعة الأفعال لم يبق إلى وقت وجود الأفعال ، ثم قد لزمه ذلك ؛ فبان أن الكلفة إنما تقع على استطاعة الأحوال والأسباب ، وكذلك الكلفة في جميع الطاعات . فإن قيل : قد يقع هذا على الخروج ، فيوجد الفعل عقيب قوة الخروج ، قيل : لو كان كذا لكان لا يلزم فرض الحج إلا بالخروج ، وله ترك الخروج ، إذ باكتساب الخروج يلزمه فرض الحج ، فلا يلزم عليه فرض الحج ؛ فثبت أنه لا يحتمله ، بل هو على ما قاله أصحابنا - رحمهم الله - : إنها استطاعة الأحوال [ والأسباب ] ، وتلك تتقدم ، لما ذكرنا . والله أعلم . وأما استطاعة الأفعال : فإنها تحدث بحدوث الأفعال وتتلو كالأوقات التي لا تبقى في وقت ثاني ، فهي كالوقت الذي لا يبقى في وقت ثان . والله أعلم . فإن سئلنا عن التكليف : أيكون فيما لا يطاق ؟ فجوابنا : أنه فيما منعنا عنه فلا . وفيما لم نمنع ، وصنيعنا يشغلنا بغيره ، فبلي . ثم الكافر بما أعطي من القوة والاستطاعة ، شغل نفسه بغير وضيع ما أعطي من القوة . فإذا ضيع لم يكن تكليف ما لا يطيق ثم ننظر إينا أحق بالقول بتكليف ما لا يطاق . فمن قول المعتزلة : إن القوة على الفعل ليوجده في الوقت الثاني . ثم في الوقت الثاني جعلوه غير قادر عليه بقدرة توجد ، ثم جعلوه أيضاً غير قادر على الترك للفعل . والمتعارف من الأمر في الظاهر بشيء يفعله في وقت ألا يقع الأمر به وقت ما يسمعه ويقرع الخطاب السمع ، بل في ثان من الوقت . فحصل عندهم الأمر على الوقت الذي هو غير قادر فيه . فأي تكليف على فقد الطوق والوسع أبين مما قالوا ؟ ! وبالله التوفيق . ثم أفحش من هذا ما قالوا : إن القدرة تتقدم الفعل ، والفعل هو الذي يدل على وجود الولاية ، وهو في وقت إيجاد الفعل ، إن كان كفرا يعادي ، وإن كان إيماناً يوالي . فحصل القول : على أن الموالاة والمعاداة أبدا تقع في غير وقت الانتهاء والائتمار . ثم قولهم في قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 99 ] ، أنه على الجبر . ولا يحتمل ذلك ؛ لأنه قد أوجب لكل ذلك مرة بالجبر في الخلقة ، وهو قوله : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ آل عمران : 83 ] ، فقد ألزمهم الإسلام بالخلقة ، بان أن الثاني على الاختيار . ثم قولهم : في استطاعة واحدة لفعلين خطأ ؛ لأن من قولهم : إن الاستطاعة لا تبقى ، ثم وجود الفعلين معاً في وقت باستطاعة واحدة محال ، ووجود تلك الاستطاعة لأحد الفعلين بعدم الآخر مستحيل لعدم البقاء ، ووجوده عندهم على البدل محال ، إذ جعلوا عين ما هو الأصل لأحدهما للآخر ؛ فثبت أنه خطأ . وقوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } . فيه دلالة : أن الله تعالى إنما يأمر عبيده وينهى ، وإنما يأمر وينهى ؛ لمنافع لهم ولضرر يلحقهم ، لا لمنافع تكون له بالأمر فيأمر ، أو بضر يلحقه فينهى عن ذلك . فيكون الأمر جارّاً منفعة ، وفي النهي دافعا مضرة . كما يكون في الشاهد أن من أمر آخر بشيء إنما يأمر لمنفعة تتأمل فيه ، وينهى عن شيء لدفع ضرر يخافه . وتعالى الله عن ذلك . وقوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } . قيل فيه بوجهين : قيل : { إِن نَّسِينَآ } ، يعني : تركنا ، كقوله تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] . وكقوله : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] ، أي : ترك . وقوله : { أَخْطَأْنَا } ، يعني : ارتكبنا ما نهيتنا . وقيل : إنه على حقيقة النسيان والخطأ ، كأنه على الإضمار أن قولوا { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا … } الآية . ثم اختلف بعد هذا : قالت المعتزلة : أمر بالدعاء بهذا تعبدا أو تقرباً إليه . وكذلك قوله تعالى : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 194 ] ، وكذلك قوله : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] ، ونحوه ، خرج الدعاء به مخرج التعبد والتقرب ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن لا يؤاخذنا بالنسيان والخطأ ، وأخبر أنه لا يخلف المعياد ، وكذلك معلوم أنه لا يحكم إلا بالحق . وكذلك قوله تعالى : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } [ محمد : 19 ] وقد أخبر أنه تعالى قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولكنه على ما ذكرنا ، وإلى هذا يذهب المعتزلة . وأما الأصل عندنا في هذا : أنه جائز في الحكمة أن يعاقب على النسيان والخطأ ، ليجتهدوا في حفظ حقوقه وحدوده وحرماته لئلا ينسوا . ألا ترى أن الله تعالى أوجب على قاتل الخطأ الكفارة ، ثم قال : { تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 92 ] ، فلو لم يجز أن يعاقب على النسيان والخطأ ، لم يكن لوجوب الكفارة عليه والتوبة معنى ؛ دل أنه جائز في الحكمة المؤاخذة به . والثاني : قوله عز وجل : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] ، وفعل الشيطان مما يتقي ويحذر ؛ لذلك كان ما ذكرنا - والله أعلم - لأنه لو اجتهد عن فعل السهو والنسيان سلم عنه ، فجائز أن يسأل السلامة عنهما ، إذ بالجهد يسلم عنه ، وبالغفلة يقع فيه . والثالث : ما ذكرنا : أن النسيان هو الترك ، والخطأ هو ارتكاب المهني ، والتارك لأمر الله ، والمرتكب لنهيه يستوجب العقاب عليه . والله أعلم . فيصبح الدعاء على ذلك ؛ لئلا يلحقهم العذاب بترك ذلك الأمر وارتكابه المنهي . فإن قيل : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قيل : إنما جاء هذا في الكفر خاصة ، لا في غيره ؛ وذلك أن القوم كانوا حديثي العهد بالإسلام ، يجري على ألسنتهم الكفر على النسيان والخطأ ، وكذلك كانوا يكرهون على الكفر فيجرون على ألسنتهم الكفر مخافة القتل ، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك مرفوعاً عنهم . قال الشيخ - رحمه الله تعالى - : وبعد فإن في الخبر العفو ، فيكون في ذلك دليل جواز الأخذ ، والعل الوعد بالعفو مقرونا بشرط الدعاء ؛ فلذلك يدعون . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بهذا ، فأجيبا لا أن يؤمر أحد أن يدعو ابتداء . والله أعلم . وأما قوله تعالى : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [ آل عمران : 194 ] ، ففيه وجهان : أحدهما : أنه وعد الرسل والمؤمنين جملة الجنة . فسؤال كل منهم أن يجعله من تلك الجملة التي وعدهم الجنة . والثاني : يسأل الختم على ما به يستوجب الموعود . وأما الأمر بالاستغفار : فهو يخرج على وجهين : أحدهما : ما روي : " المؤذن يغفر له مد صوته " ، فهو على استيجاب أولئك المغفرة به ؛ فعلى ذلك استغفاره ، ليغفر به بعض أمته . والثاني : أن المغفرة في اللغة هي التغطية والستر ؛ فكأنه يسأل الستر عليه بعد التجاوز عنه . قال الشيخ - رحمه الله تعالى - : ثم الأصل أن الاستغفار هو طلب المغفرة ، فلو كان لا يجوز له التعذيب ، فيكون التعذيب [ جوراً ] ، فيصير السؤال في التحقيق سؤال ألا يجور ، وذلك مما لا يسع المحنة . وكذلك لو كان مغفورا له ، كان الحق فيه الشكر لما أنعم عليه ، وفي ذلك كتمان النعمة ، والمحنة بكتمان نعم الله وكفرانها محال ؛ لذلك لا بد أن يكون في الآيات ما يتمكن معه المحنة من المعنى . والله أعلم . وأما قوله عز وجل : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] ، قيل : الحق هاهنا هو العذاب ، كأنه أمره أن يسأل بإنزال العذاب عليهم . وقيل : { ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] ، أي احكم بحكمك الذي هو الحق . فإذا كان ما ذكر محتملا ، دل أنه ليس على ما ذهب إليه أولئك . والله أعلم . وقوله تعالى : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } . قيل : " الإصر " ، هو العهد ، ويقول : لا تحمل علينا عهدا تعذبنا بتركه ونقضه ما حملته على الذين من قبلنا . وكان من قبلهم إذا خُطِّئُوا خطيئة حرم الله عليهم على نحوها مما أحل لهم الطيبات ، كقوله تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] ، وكأصحاب الأخدود ، وغيرهم . فخاف المسلمون ذلك فقالوا : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } ، في جرم أجرمناه فتحرم علينا الطيبات . وأصل " الإصر " ، الثقل والتشديد الذي كان عليهم من نحو ما كان توبتهم الأمر بقتل بعضهم بعضاً ، كقوله تعالى : { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] . وقوله تعالى : { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . يحتمل وجهين : يحتمل : أن { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من القتل والهلاك ، إذ في ذلك إفناؤهم ، وفي الفناء ذهاب طاقتهم . قال الشيخ - رحمه الله تعالى - : أي مما نشتغل عما أمرتنا ، فيكون كالدعاء بالعصمة . والله أعلم . ويحتمل : أن يراد به طاقة الفعل ، وهي لا تتقدم عندنا الفعل . والله أعلم . وقوله تعالى : { وَٱعْفُ عَنَّا } . قيل : اتركنا على ما نحن عليه ، ولا تعذبنا . وقوله تعالى : { وَٱغْفِرْ لَنَا } . أي : استر لنا . و " الغفر " ، هو الستر ؛ ولذلك يسمى المغفر " مغفراً " ؛ لأنه يستر . وستر الذنب هو أعظم النعم . [ وقوله تعالى : { وَٱرْحَمْنَآ } . أي : تغمدنا برحمتك ، لأنه لم ينج أحد إلا برحتمك ] . وقوله تعالى : { أَنتَ مَوْلَٰـنَا } . قيل : إنت أولى بنا . وقيل : أنت حافظنا . وقيل : أنت ولينا وناصرنا . وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله تعالى : { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } . يحتمل : الكفار المعروفين . ويحتمل : الشياطين ، أي : انصرنا عليهم .