Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-66)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } . قد ذكرنا فيما تقدم : أَن ميثاق الله ، وعهده على وجهين : عهد خلقه وفطرة ، وعهد رسالة ونبوةٍ . وقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } في التوراة أَن يعملوا بما فيها ، فنقضوا ذلك العهد لما رأَوا فيها الحدود ، والأَحكام ، والشرائع كرهوا ؛ فرفع الله الجبل فوقهم ، فقبلوا ذلك . ويحتمل ما ذكرنا من عهد خلقة وفطرة فنقضوا ذلك . وقوله : { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } . قيل : خذوا التوراة بالجد والمواظبة . وقيل : " بقوة " يعني : بالطاعة له والخضوع . ثم احتج بعض المعتزلة بهذه الآية على تقدم القدرة الفعلَ ؛ لأَنه أمرهم - عز وجل - بالقبول له ، والأَخذ والعمل بما فيها . فلو لم يعطهم قوة الأَخذ والقبول له قبل الأَخذ له والفعل ، لكان لا يأْمرهم بذلك ؛ لأَنهم يقولون : لا قوة لنا على ذلك ؛ فدل أَنه قد أعطاهم قبل ذلك ، لكنه غلط عندنا ؛ لأَنه لو كان أَعطاهم القوة قبل الفعل ، ووقت الأَمر به ، ثم تذهب عنهم تلك القوة وقت الفعل - لكان الفعل بلا قوة ؛ إذ من قولهم : أن القوة لا تبقى وقتين ؛ فدل : أَنها تحدث بحدوث الفعل ، لا يتقدم ولا يتأَخر ، ولكن يَكونان معاً . ولأَنها سميت : قدرة الفعل ، فلو كانت تتقدم الفعل ، لم يكن لإضافة الفعل إليها معنى ، والله أعلم . والأَصل في ذلك : أَن الله - تعالى - قال : { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } ومعلوم أَن المرادَ من ذلك الأَخذُ بقوة الآخذ . ثم فيه وجهان : أَحدهما : أَن للأَخذ قوة غير التي للترك . والثاني : أَنه ذكر الأَخذ بقوة ، فإذا لم تكن معه لم يكن بها أَن يرى أَن الوقت إذا تباعد لم يحتمل بما تقدم من القوة أَوقاتاً ؛ فمثله وقت واحد . وقوله : { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . قيل فيه بوجوه : قيل : اذكروا ، واحفظوا ما فيه من أَمره ونهيه ، ولا تضيعوه ؛ لعلكم تتقون المعاصي والمآثم . ويحتمل : اذكروا ما فيه من التوحيد والإيمان ؛ لعلكم تتقون الشرك والكفر . ويحتمل : اذكروا ما فيه من الأَحكام والشرائع . ويحتمل : الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد . وكله واحد . وقوله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } . يعني : من بعد القبول . دل هذا على : أَنهم كانوا قَبِلوا ذلك مرة ، قبل أَن يأْتيهم موسى صلى الله عليه وسلم بها ؛ فلما أَتاهم - ورأَوا التشديد ، والمشقة - أَبوا قبولها ، وتركوا العمل بما فيها من الأَحكام والشرائع ؛ فخُوِّفُوا برفع الجبل فوقهم ؛ فقبلوا ذلك ، والله أعلم . وقوله : { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } . يحتمل وجوهاً : قيل : فضل الله عليكم الإسلام ورحمته : القرآن . وقيل : فضل الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، بعث إليكم رسولاً ؛ ليجمعكم ، ويؤلف بينكم ، ويدعوكم إلى دين الله الحق ، بعد ما كنتم في فترة من الرسل ، وانقطاع من الدين والعمل . ويحتمل : فضل الله عليكم ؛ لما أَنجا آباءَكم من العذاب ، ولم يرسل عليهم الجبل ، وإلا ما توالدتم أَنتم . وقيل : فضل الله عليكم ؛ لما أَعطاهم التوراة ، ووفقهم على قبولها ، وإلا كنتم من الخاسرين . وبعضه قريب من بعض . وقوله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } . فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ كأنه قال : ولقد علمتم أَن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الذين اعتدوا منكم في السبت ، ولا كان علم ما فُعِل بهم ، ثم علم ذلك ؛ فإنما علم بالله - عز وجل - لأَنه لم يكن قرأَ كتابكم ، ولا كان يختلف إلى أَحد ممن يعرف ذلك ؛ فبالله - عزوجل - عرف ذلك ، وبه علم ؛ فدل : أَنه رسول الله إليكم . ويحتمل قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . أي : علمتم ما أَصاب أُولئك باعتدائهم يومَ السبت بالاصطياد ، وكنتم تقولون : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] . يعني : أَبْناءُ رسل الله وأَحباؤُه . فلو كان كما تقولون ، لم يكن ليجعلهم قردةً - وهي أَقبحُ خلق الله ، وأَوخشُه - إذ مثل ذلك لا يُفعل بالأَحبَّاء ولا بالأَبناءِ . أَو أَن يحمل على التحذير لهؤلاء ؛ لئلا يُكذِّبوا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا يعصوه في أَمره ، فيصيبكم ما أَصاب أولئك ؛ بتكذيبهم موسى ، وعصيانهم أَمرَه ، والله أعلم . ثم سبب تحريم الاصطياد في السبْت كان - والله أعلم - لما قيل : إنّ موسىَ صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل يوماً لله ، خالصاً للطاعة له ، والعبادةِ فيه - وهو يوم الجمعة - فخالفوا هم أَمره ونهيَه ، وقالوا : نجعل ذلك اليوم السبت ؛ لأَنه لم يُخلق لعمل . فحرم الاصطياد في ذلك اليوم لذلك وحولوا قردةً ؛ عقوبة لهم لما نهوا عن الاصطياد في ذلك اليوم فاصطادوا . وعلى ذلك تأْويل قوله : { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [ النحل : 124 ] يعني : يوم الجمعة . وقيل : { ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ، يعني : في الله . ثم اختلف فى قوله : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } : قال قوم : قوله : { كُونُواْ قِرَدَةً } من الأَصل ؛ على ذهاب الإنسانية منهم . وقيل : حَوَّل جَوْهَرهم إلى جوهر القردة ، على إبقاءِ الإنسانية فيهم ؛ من الفهم والعقل ؛ لأَنه قيل : إن الذين كانوا يَنْهَوْنهم عن الاصطياد في ذلك اليوم دخلوا عليهم ، فيقولون لهم : أَلم نَنْهكم عن ذلك ، ونزجرْكم ؟ ! فَأَومئوا : أَي نعم . ودموعهم تفيض على خدودهم . فلو كان التحويل على ذهاب جميع الإنسانيه منهم لكانوا لا يفهمون ذلك ، ولا حزنوا على ما أَصابهم ؛ لأَن كلَّ ذي جوهر راضٍ بجوهره الذي خلقه الله سبحانه يُسَرّ به . ولأَن تحويله إياهم قردةً عقوبةً لتمردهم في التكذيب ، وجرأَتهم على الله ؛ ليعلموا ذلك ، ويروا أَنفسهم أَقبحَ خلقِ الله وأَوخشَه . وفيه نقض قول المعتزلة ؛ لأَنهم يقولون : ليس في خلق الله قبيح . فلو لم يكن في خلق الله قبيحٌ لم يكن لتحويل صورتهم من صورة الإنسان ، إلى أَقبح صورةٍ معنىً ؛ ليروا قبح أَنفسهم ؛ عقوبةً لهم بما عَصَوْا أَمر الله ، ودخلوا في نهيه . وقوله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً } . قيل : الهاء راجعة إلى القرية التي كانوا فيها . وقوله : { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } . من أَهل القرية . وقوله : { وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } . حواليها . وقيل : أَراد بالهاءِ : القرية ، { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } من القرى ، { وَمَا خَلْفَهَا } من القرى . وقيل : أَراد بالهاءِ : العقوبة والنكالَ ، { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } يعني : لما مضى من الذنوب . { وَمَا خَلْفَهَا } يعني : ما بَقي ، والله أَعلم . وقوله : { خَاسِئِينَ } . قيل : الخاسىء : الصاغرُ . وقيل : الخاسىء : الذليلُ . وقيل : البعيدُ . وكله يرجع إلى واحد ، والله أعلم .