Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-84)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } ، وقال في آية أخرى : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ذكر في سليمان أنه سلطه على الشيطان ، وجعلهم مسخرين له يستعملهم في كل أمر وعمل شاء ، وذكر في أيوب على أثر قصة سليمان أنه سلط الشياطين عليه وصار كالمسخر لهم ؛ حيث قال : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ؛ حتى يعلم أن تسخير الشياطين لسليمان كان له إفضالاً وإنعاماً ، لم يكن سبق منه ما يستوجب به ذلك ويستحقه ، ولا كان من أيوب إليه من العصيان ما يستحق ذلك ، وما أصابه من البلاء منه عدل ، وكان ما يعطي من السلامة والصحة رحمة منه ونعمة ، وله أن يعطي من شاء ما شاء ، ويحرم من شاء ما شاء ، ألا ترى أنه قال في آخره لما رد عليه ما أخذ وكشف عنه البلاء : { رَحْمَةً مِّنَّا } ، ولو كان ذلك حقّاً له على الله لم يكن لذكر الرحمة معنى ، فهذا يرد على المعتزلة مذهبهم : أن على الله الأصلح لهم في دينهم ؛ لأن ما أصاب أيوب من البلايا أضاف ذلك إلى الشياطين حيث قال : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ، ولو كان ذلك أصلح له في دينه لكان لا يضيف فعل الأصلح له في الدين إلى الشياطين ؛ فدل على أنه ليس على ما يذهبون إليه . ثم قوله : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } شبيه أن يكون فيه إضمار دعاء ؛ كأنه قال : أني مسني الضر فارحمني وعافني وأنت أرحم الراحمين ؛ ألا ترى أنه قال : { ٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } دل أنه على الدعاء خرج . والثاني في قوله : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } وصرت بحال يرحمني من رآني من الخلق وأنت أرحم بي من كل الراحمين . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } هو ظاهر أنه كشف عنه ما أصابه من البلاء في بدنه وأهله حتى عاد إلى الحال التي كان قبل ذلك . وقال بعضهم : أوتي أهله في الدنيا ومثل أجورهم في الآخرة . وقال بعضهم : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } فأحياهم الله { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } ، وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء أولاداً بنين وبنات ، فأحياهم الله . وقال بعضهم : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي : ما يتأهل به من الأهل والأنصار على ما كان له من قبل . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } يحتمل وجوهاً : أحدها : أن من ابتلي ببلاء ، فصبر على ما صبر أيوب على بلائه ، ففرجه الله عن ذلك البلاء - فيفرجه عنه كما فرج لأيوب . والثاني : يعلم أن ما أصابه ليس لأمر يسبق منه ، ولكن ابتلاء محنة من الله امتحنه بها ، وله أن يمتحن من شاء بما شاء من المحن .