Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-64)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } ، [ و ] قال في آية أخرى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ … } الآية [ الحجرات : 15 ] ، وقال في آية أخرى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [ الأنفال : 2 ] هذا - والله أعلم - ليس أن ما ذكر من الاستئذان وترك الارتياب من حقيقة الإيمان بالتلاوة ، ونحوه من شرط الإيمان ، ولكن - والله أعلم - أن الأولى بالمؤمنين هذا ألا يذهبوا حتى يستأذنوا رسوله وألا يرتابوا ، وأن يجاهدوا ، وأن تزداد لهم التلاوة [ و ] ما ذكر ، ليس على جعله شرطاً للإيمان ، ولكن ما ذكرنا من الأولى بهم والاختيار ما ذكر ، والله أعلم . ثم ذكر في هذه الآية : أن المؤمنين لا يذهبون عنه ولا يفارقونه إلا بالاستئذان منهم من رسول الله ، وذكر أن المنافقين يذهبون ويفارقونه تسللا ولواذاً ؛ حيث قال : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } وقال في آية أخرى : { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 44 ] ذكر أنهم لا يستأذنوك ، وإنما يستأذنك المنافقون بقوله : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 45 ] فهذه الآيات في ظاهر المخرج مختلفة وإن كانت في المعاني المدرجة فيها موافقة ، فهذا سبيل من يحتج بظاهر المخرج ؛ إذ للملاحدة أن تقول : هو مختلف في الظاهر وأنه من عند غير الله بقوله : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] فدل ما ذكرنا أن الاحتجاج بظاهر المخرج باطل ، والاعتقاد به فاسد خيال . وجائز أن يكون ما ذكر من استئذان المؤمنين وترك استئذان أولئك للخروج منه ؛ لما لا يستأذنه المؤمنون للخروج من القتال إلا لعذر ، وأولئك يستأذنونه للخروج لا للعذر ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } [ الأحزاب : 13 ] ونحوه ، وأمّا المؤمنون فلا يستأذنونه إلا بعذر . أو أن يكون ذلك في نوازل مختلفة ، أو في فرق ، أو أن يكون المؤمنون يظهرون له عذرهم ويفوضون أمرهم إلى رسول الله على أن ينظر في ذلك : فإن رأى الصواب أن ينصرفوا صرفهم ، وإن رأى الصواب الكون والمقام معه أقاموا معه ، والمنافقون لا على ذلك كانوا يفعلون ، وعلى هذا - والله أعلم - جائز أن يخرج تأويل الآيات التي ذكرنا . ثم قوله : { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ } أي : مع رسول الله { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } اختلف فيه : قال : بعضهم : يوم الجمعة ، ويوم العيد . وقال بعضهم : في الغزو والجهاد ، يخبر أن المؤمنين يكونون معه ، لا يذهبون عنه إلا بإذن ، والمنافقون يتسللون ويذهبون مستخفين منه ويخرجون من عنده ، وأصله : { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } أي : على أمر طاعة { لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } . قال بعض أهل التأويل : هذه الآية نسخت الآية التي في سورة براءة ؛ حيث قال في تلك : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ … } الآية [ التوبة : 43 ] . وقال هاهنا : { فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } أذن له بالإذن لهم في هذه وعيره في ذاك بالإذن لهم ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا من التأويل . وقوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الأمر بالاستغفار لهم يخرج مخرج الأمر بالتشفع لهم . وقوله : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لا تجعلوا دعاء الرسول إياكم إلى ما يدعوكم إليه كدعاء بعضكم بعضاً : مرة تجيبونه ، ومرة لا تجيبونه ، كما يجيب بعضكم بعضاً إذا دعاه مرة ، ولا يجيبه تارة ؛ بل أجيبوا رسول الله في جميع ما يدعوكم إليه في كل حال تكونون . والثاني : لا تجعلوا دعاءكم الرسول إذا دعوتموه كما يدعو بعضكم بعضاً يقول يا فلان ، ولكن ادعوا باسم هو مخصوص به : يا رسول الله ، ويا نبي الله ؛ على ما أقررتم أنه مخصوص من بينكم ، ليس كمثلكم في الدعاء والإجابة ، اجعلوه مخصوصاً تعظيماً له وإجلالا ، وخصوصية له وفضيلة ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [ الحجرات : 2 ] . وقوله : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } . قال بعضهم : يعني : المنافقين إذا كانوا في أمر جامع فيسمعون رسول الله يذكر مثالبهم ومساوئهم وعيوبهم فيتسللون كراهية لذلك ، ويلوذ بعضهم ببعض . وقال بعضهم : نزل هذا في المنافقين الذين كانوا يذهبون عنه ويخرجون من عنده بغير استئذان . وقوله : { لِوَاذاً } أي : يستترون بالشيء ، ويلوذ بعضهم ببعض ، ويستتر بعضهم ببعض ويخرجون . وقوله : { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } يحتمل قوله : { يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي : يخالفون أمره ، وحرف " عن " يكون صلة فيه . وجائز أن يكون على ظاهر ما ذكر : { يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } : فإن كان على هذا فكأنه قال : { يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي : يعدلون عن أمره ويزيغون عنه ؛ كقوله : { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ سبأ : 12 ] . وقوله : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } يحتمل : الفتنة : الكفر . ويحتمل الفتنة : القتال والتعذيب في الدنيا ؛ أو يصيبهم العذاب في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ليس هاهنا ما يستقيم أن يجعل قوله : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } صلة له ، اللهم إلا أن يجعل ذلك صلة قوله : من يجعل له الولد والشريك . أو صلة قوله : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ المؤمنون : 24 ] أي : أن من له ما في السماوات والأرض لا يحتمل أن تقع الحاجة [ له ] إلى الولد أو الشريك . أو من له ملك ما في السماوات والأرض يختار لرسالته من يشاء بشراً أو ملكاً ، ليس لأحد القول في ذلك ، والله أعلم . وقوله : { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } هذا وعيد منه وإعلام أنه مراقبهم مطلع عليهم في جميع أحوالهم ؛ ليكونوا أبداً على حذر ؛ لأن من علم أن عليه رقيباً وحافظاً ، كان أنبه وأيقظ وأحذر ممن لم يعلم ذلك . أو أن يكون على علم بأحوالكم وما أنتم عليه من الخلاف لأمره خلقكم ، أو أرسل إليكم رسولاً لا على جهل بذلك وغفلة . أو يؤخر عنكم العذاب على علم بما أنتم عليه ليوم موعود ، لا بسهو وغفلة ؛ كقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ … } الآية [ إبراهيم : 42 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } . [ وقوله : ] { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي : إنما يؤخر ذلك عنهم إلى يوم الرجوع إليه ؛ فعند ذلك ينبئهم بما عملوا ، والله بكل شيء عليم . قال أبو عوسجة : يتسللون ، أي : يذهبون مستخفين ، يقال : انسل الرجل ، أي : انسرق من الناس ، أو فارقهم ، و [ هم ] لا يعلمون به ، والتسلل من الجماعة . وقوله : { لِوَاذاً } : يقال : لاذ مني ، أي : اختبأ مني واختفى . ويقال : لاذ بي ، أي : استتر بي . وقال القتبي : قوله : { يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } أي : من يستتر بصاحبه ، ويتسلل ، ويخرج ، يقال : لاذ فلان ، و اللواذ : مصدر .