Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 46-49)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلَمْ تَرَ } : قد ذكرنا في غير موضع أن حرف { أَلَمْ تَرَ } هو حرف تعجب واستفهام ، لكن في الحقيقة على الإيجاب ، أي : وقد رأيت . وقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي : إلى تدبير ربك ولطفه أن كيف مد الظل ، وهو لا يؤذي ولا يضر ولا يحس ، ولا يشعر به أحد بكونه فيه ولا يثقل ولا يخف ، ولا يستر ولا يكشف عن وجوه الأشياء ، إنما النور هو الكاشف عن وجوه الأشياء ، والظلمة هي الساترة لذلك ، ونحو ذلك ما يكثر ذكره مما يحيط بالخلائق كلها ؛ ليعلم أن من المحسوسات التي يقع عليها الحواس ما لا يدرك حقيقة من نحو الظل الذي ذكرنا هو ما لا يدرك حقيقة ، ومن نحو السمع والبصر والعقل والنطق باللسان ، ونحو ذلك من المحسوسات ؛ ليعلم أن الذي سبيل معرفته الاستدلال وهو منشئ هذه الأشياء - أحق ألا يدرك ولا يحاط بتدبيره ولطفه ؛ [ و ] ليعلم أن من بلغ تدبيره ولطفه هذا المبلغ لا يحتمل أن يعجزه شيء أو يخفى عليه شيء ؛ يخبر عن قدرته وتدبيره ولطفه ، ليعلم أنه قادر ومدبر بذاته لطيف . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } أي : دائباً لا يذهب أبداً ، ولا تصيبه الشمس ولا يزول . وقال بعضهم : { سَاكِناً } أي : مستقراً دائماً لا تنسخه الشمس كظل الجنة . وقوله : { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } : قال بعضهم : أي : تتلوه وتتبعه حتى تأتي على كله . وقال بعضهم : قوله : { جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } يقول : حيثما تكون الشمس يكون الظل ، وأصله : أنه بالشمس يعرف الظل أنه ظل ، ولولا الشمس ما عرف الظل ، فهو دليل معرفته وكونه أنه ظل . وقوله : { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } : قال بعضهم : هَيِّناً خفِيّاً ، وأصله : أنه يقبض بالشمس الظل وينسخه شيئاً فشيئاً ، حتى تأتي على كله . وقوله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً } قيل : سكنا يسكن فيه الخلائق . وقيل : لباسا ، أي : سترا . { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } قال بعضهم : أي : راحة ، يقال : سبت الرجل يسبت سباتا فهو مسبوت . وقال بعضهم : أصل السبت : التمدد . وقال بعضهم : سبت الرجل إذا نعس . وقيل : رجل مسبوت : لا يعقل كأنه مسبت . { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } : فمن جعل السبات : النوم ، جعل قوله : و { ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } أي : حياة يحيون فيه . ومن يقول : السبات : راحة ، يجعل النهار نشورا : ينشر فيه للمعاش والكسب وابتغاء الرزق . وقال بعضهم : يذكر نعمه ومننه على عباده ؛ لتأدي شكره . وقال أبو معاذ : قال مقاتل : { مَدَّ ٱلظِّلَّ } يعني : الفيء من أول وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس . وأخطأ ؛ لا يسمى ذلك الظل : فيئاً . وقال الكسائي : العرب تقول : الظل من حين تصبح إلى انتصاف النهار ، فإذا زالت الشمس عن كبد السماء فما خرج من ظل فذلك الفيء ويقال للفيء : الظل ، ولا يقال للظل : فيء قبل الزوال . وقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً } : قال بعضهم : { نشرا } أي : حياة . وقال بعضهم : { نشراً } للسحاب : تنشره ، أي : تبسطه . وعلى التأويل الأول ننشرها ، أي : نحييها . وقوله : { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : بين يدي المطر ، سمي المطر : رحمة ؛ لما برحمته يكون ؛ وكذلك ما سمى الجنة : رحمة ؛ لأنها برحمة ما يدخل من دخل فيها . وقوله : { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } : هذا يدل أنه لا يفهم باليد : اليد المعروفة التي هي الجارحة ، حيث ذكر للمطر ذلك ولا يعرف - أعني : اليد - ليعلم أنه لا يفهم من قوله : بيد الله ، بين يدي الله - ذلك ، وبالله العصمة . وقرأ بعضهم : { بُشْرَاً } بالباء ، وهو من البشارة ؛ كقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } [ الروم : 46 ] أي : تبشرهم بالرحمة والسعة ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } أي : ما يطهر به الأنجاس والأقذار الظاهر منها والباطن ؛ وكذا الطهور أنه يطهر حيثما أصابه . وقوله - عز وجل - : { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } : قال بعضهم : الأناسي : جمع إنسي . وقال بعضهم : هي جمع إنسان ، وأصله بالنون ( أناسين ) ، لكن أبدلت النون ياء . وقال أبو عوسجة والقتبي : أناسيّ مشددة ، يعني : أناس ، وأناسي جماعة الإنسان على ما ذكرنا . ويحتمل قوله : { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } ، أي : نسقيه من الماء الطّهور والمنزل من السماء كثيراً من الأنعام ، وكثيراً من الإناس ، وكثيراً ما يسقى من المياه المنتزعة من الأرض .