Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 196-200)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ } : يحتمل تقلبهم وجوهاً . وذلك نعمة من الله عليهم ؛ لترْكِهِم يَتَّجِرون في البلدان مع كفرهم بربهم . والثاني : أعطاهم أموالاً يتنعمون فيها ويتلذذون . والثالث : ما أخر عنهم العذاب والهلاك إلى وقت . يقول : لا يغرنك يا محمد ذلك ؛ إنما هو متاع يسير ، [ و ] مصيرهم إلى النار ؛ كقوله - تعالى - : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ … } الآية [ التوبة : 55 ] ؛ وكقوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً … } الآية [ آل عمران : 178 ] . قال : وليس الاغترار في نفس التقلب ؛ لأنه جهد ومشقة ؛ ولكن لما فيه من الأمن والسعة والقوة ؛ دليله قوله - تعالى - : { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ، ثم قال : { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } ، وسعيهم للآخرة متاع لا ينقطع . وقوله - عز وجل - : { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } يعني : الشرك . { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } إلى آخر ما ذكر { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } . يحتمل أن يكون الأمر ما ذكر في بعض القصّة : أن بعض المؤمنين قالوا : إن الكفار في خصب ورخاء ، ونحن في جهد وشدة ؛ فنزل : لا يغرنك تقلبهم في ذلك ؛ إنما هو متاع قليل ، وذلك ثوابهم في الدنيا ، وأما ثواب الذين اتقوا ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار … إلى آخر ما ذكر . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } يعني : القرآن . { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } يعني : التوراة . ثم اختلف في نزوله : قال بعضهم : نزل في شأن عبد الله بن سَلامٍ وأصحابه : أقرُّوا بأنه واحد لا شريك له ، وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه … الآية . وقيل : نزل في شأن النجاشي ، وروي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي قال أناس من المنافقين : يصلي على حبشي مات في أرض الحشبة ؛ ! فأنزل الله - عز وجل - : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ … } الآية . وعن الحسن قال : " لما مات النجاشي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استغفروا لأخيكم " قالو : يا رسول الله ، لذلك العِلْج ؟ ! فأنزل الله - عز وجل - : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ … } الآية ، وقيل : لما صلّى عليه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ؛ قال المنافقون : صلى على من ليس من أهل دينه ؛ فأنزل الله الآية " . وعن الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي ، فكبَّر عليه أربع تكبيرات ، وصففنا في المصلَّى خلفه ، وكان مات بالحبشة . قال : والنوازل على وجهين : من ترك بسببه خيراً وسعة فله فيه فضل ؛ لأنه كان مفتاح الخير ، ومن ترك بسببه ضيقاً فعليه فضل لوم ؛ كأنه مفتاح الضيق . وأمَّا ا لأحكام : فإنه ينظر إلى ما فيه نزل فيشترك فيه الخلق ، ولا يجوز أن يقال : نزل في شأن فلان ؛ إنما أنزل لما في شأن فلان ، لا في شأنه . وقوله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ } قيل : على أداء الفرائض والعبادات ، وقيل : اصبروا على البلايا والمصائب والشدائد : { وَصَابِرُواْ } في الجهاد لعدوكم . وقيل : اصبروا على أمر الله وفرائضه ، وصابروا مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه في المواطن . وعن الحسن قال : أُمِروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضى الله لهم ، وهو الإسلام ، ولا يَدَعُوا دينهم ؛ لشدة ولا لرخاء ، ولا ضراء ، ولا سراء ، حتى يموتوا ، ويكونوا يصابرون الكفار ، حتى يكونوا هم يميلون عن دينهم ، وأمروا أن يرابطوا المشركين . وقيل : اصبروا على الجهاد ، وصابروا لعدوكم . { وَرَابِطُواْ } أي : داوموا على دينكم . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } : قال : والصبر في نفسه خاصة في طاعة يصبر عليها ، ومعصية يصبر عنها وفي بلوى ، والمصابرة مع غيره ، وقد يكون كل واحد على المعنيين ؛ لأنه لا يخلو عن مصابرة عدوٍّ فيما يطيع ربه . وقيل : رابطوا مع عدوكم ما أقاموا ، واتقوا الله فيما أمركم به ، فلا تدعوا ذلك مع نبيكم ، وذروا ما نهاكم عنه ، ولا قوة إلا بالله .