Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 21-22)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } : قيل : بآيات الله التي في كتابهم : من بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته . وقيل : : { بِآيَاتِ } بالقرآن ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم . { وَيَقْتُلُونَ } : يحتمل قوله : { وَيَقْتُلُونَ } أي : يهمون يريدون قتلهم ؛ كقوله : { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } [ البقرة : 191 ] ، فلو كان على حقيقة القتل ، فإذا قتلونا لم نقدر على قتلهم ؛ وكقوله : { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت أن تقرأ القرآن ؛ وكقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ } [ المائدة : 6 ] كذا ، أي : إذا أردتم أن تقوموا إلى الصَّلاة ؛ لأنه إذا قام إلى الصّلاة لم يقدر على الغسل ؛ فكذلك الأوّل . ويحتمل أن يريد : الرضا بقتل آبائهم الأنبياء ، فأضاف ذلك إليهم . وقيل : إنه أراد آباءهم الذين قتلوا الأنبياء . وقيل : جاءَ أنهم كانوا يقتلون ألف نبي كل يوم ، قال [ الشيخ ] : لا أعرف هذا ، فإن صح فهو على أنهم تمنوا ذلك ، أو قتلوا نبيّاً وأنصاره ، فسمّوا أنبياء ؛ لما كان ينبىء بعضهم بعضاً ، والله أعلم . وقوله : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } : لو كان أراد آباءَهم كيف يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالبشارة وهم موتى ؟ ! دل هذا على أن التأويل هو الأوّل : أنهم هموا بقتلهم ، أو ورضوا بصنع آبائهم ، والله أعلم . والبشارة المطلقة إنما تستعمل في السّرور والخيرات خاصَّة ، إلا أن تكون مقيّدة ؛ فحينئذ تجوز في غيرها ؛ كقوله : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } قيدها هنا ؛ لذلك قال أصحابنا - رحمهم الله - : أن ليست الحقائق أولى من المجاز ، ولا الظاهر أولى من الباطن ؛ إلا بدليل على ما صرفت أشياء كثيرة عن حقائقها بالعرف ؛ من نحو : الإيمان ، وغيرها . وقوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } يحتمل وجوهاً : يحتمل : أعمالهم التي فعلوا ؛ قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث كفروا به ، فبطلت تلك الأعمال . ويحتمل : ما كان لهم ن الأعمال : من صلة المحارم ، والقربات ، والصدقات ، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان ، فلما لم يأتوا به - بطلت . وقوله : { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } : أمَّا في الآخرة : فثوابها ، وأمَّا في الدنيا : فحمدها وثناؤها . ويحتمل في الدنيا : ثواب الدنيا ؛ كقوله : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ النساء : 134 ] ٍ ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } : فالآيات أعلام وحجج ، وهنّ أنواع : منها حسِّيات ، نحو : الخلائق ؛ في الدلالة على وحدانية الله تعالى . الخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة ، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاهم ؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم . ومنها : السمعيات : وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء ؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها ، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم ، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله ؛ ليعلم أن الله هو الذي أطلعهم عليها ؛ ليكون آية لهم ، والله أعلم . ومنها العقليات : وهي التي تعرف بالمحن ، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها ، ثم قد جعلها كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن يكفر بها يخرج على وجهين : أحدهما : على الكفران بحقيقة الآيات ؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له ، وهن من الوجوه التي ذكرت ، فقضى الله - تعالى - لمن يكفر بها بما ذكرت ؛ لتعنتهم ومعاندتهم ، والله أعلم . والثاني : أن يريد بالكفر بالآيات : الكفر بمن له الآيات ؛ فنسب إلى الآيات ؛ لما بها تعلم الحقيقة ، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها ، فذلك معنى الكفر بالآيات ، ثم كانت الكتب السماوية ، وما فيها من النعوت ، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن ، وغير ذلك من الحسّيات ، والله أعلم . فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات ؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس ، ويحيط بها الأوهام والعقول ؛ ولكن على أنهن آيات للذي دَلَّكُم عليه ، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه ، والله أعلم . وقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } . وقال في ذلك الكتاب : { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] ، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض ؛ قيل : قوله : { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله ، لا على نفي الشك عن كل من سمعه ؛ إرادة التأكيد ؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه ؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم ؛ وكذلك قولهم أبداً على دوامه وامتداده ، لا على حقيقة الأبدية ؛ وكذلك يقولون : { هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } [ الأحقاف : 11 ] ، وأمر قديم : لا على حقيقة القدم ؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن ، والله الموفق . والثاني : على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات ، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها - أظهرته له ، حتى يصير كالمعاين ، ولا قوة إلا بالله . والثالث : أن يخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه ، بعد علمهم بصدقة ؛ ليعرف به تعنتهم ، ويؤيسه عن الطمع فيهم ، ولا قوة إلا بالله .