Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 26-30)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } يقول - والله أعلم - : أو لم يبين لأهل مكة ، ولم يكفهم من الهداية والبيان ما أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ، فيرون ما حل بهم ، ومن أهلك ومن نجا منهم ؛ فيقع الاعتبار لهم بمن ذكر من وجهين : أحدهما : زعموا أن آباءهم على ما هم عليه ، وأنهم يقلدونهم في ذلك ، وأنهم أمروا بذلك ، فيخبر أنك أولاد من نجا منهم ، لا أولاد من أهلكوا ؛ لأنهم استؤصلوا ؛ فلا يحتمل أن تكونوا أولاد من استؤصلوا ؛ فدل أنهم أولاد من نجا منهم ، وإنما نجا منهم المصدّق لا المكذب ، فيخبر أن كيف لا اتبعتم آباءكم الذين نجوا منهم وهم المصدقون ، دون الذين أهلكوا بالتكذيب والعناد ؟ ! والثاني : يعتبرون فيعلمون أن إهلاكهم واستئصالهم كان ؛ للتكذيب والعناد مع الرسل والخلاف لهم ؛ فيمنعهم ما حل بهم بالتكذيب والخلاف للرسل عن تكذيب رسول الله ومجادلتهم إياه . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } . قال بعضهم : أفلا يبصرون ذلك حيث يمشون في مساكن أولئك ، ويمرّون فيها ؟ ! [ و ] قال بعضهم : أفلا يسمعون ما يحدث لهم عن أولئك ، وما حل بهم ، وبم نزل ذلك بهم ؟ ! وقال بعضهم : { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } : أفلا يعقلون لماذا أهلكوا أو استؤصلوا ؛ فيمتنعون عن ذلك ؟ ! وقال بعضهم : أفلا يستمعون الوعيد الذي أوعد لهم . وقيل : أفلا يستمعون التوحيد ، والله أعلم . وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً … } إلى آخر ما ذكر . هذه الآية ذكرت في الاحتجاج عليهم لإنكارهم البعث ، والأولى ذكرت لإنكارهم نزول العذاب بالتكذيب والخلاف للرسل ، فيخبرهم أن من قدر على سوق الماء إلى الأرض الميتة اليابسة وإحيائها ، لقادر على إحيائكم بعد الموت ؛ إذ الأعجوبة والقدرة في إحياء الأرض الميتة اليابسة إن لم يكن أكثر فلا تكون دون ما أنكروا ؛ فكيف أنكرتم القدرة على إحياء الموتى ، وقد عاينتم ما هو أكثر أو مثله ؟ ! والأرض الجرز : قال أبو عوسجة : هي التي لا نبت فيها ، وأرضون أجراز ، وأرض أجراز ، وكذلك قال القتبي : الأرض الجرز : اليابسة : التي لا نبت فيها ، وجمعها أجراز ، ويقال سنون أجراز : إذا كانت سني جدب . وقال بعضهم : الأرض الجرز : التي تأكل نباتها ، أي : يحترق فيها ، يقال : امرأة جرزاء : إذا كانت أكولة ، أو كلام نحوه . { تَأْكُلُ مِنْهُ } ، من الزرع الذي ذكر أنه يخرج من الأرض اليابسة بالماء . { أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } ، قدرته في إخراج ما ذكر مما فيه غذاؤكم وغذاء ما سخر لكم من الأنعام . أو يذكر نعمه ، يقول : أفلا تبصرون نعمه ؛ فكيف تكفرونه ، وتعبدون غيره ، وتصرفون الشكر إلى غيره ؟ ! وذكر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : " الأرض الجرز التي لا نبات فيها " . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . قال بعضهم : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ويتحدثون : إن لنا يوماً أوشك أن نستريح فيه ونتنعم فيه - يعنون : يوم القيامة - فقال كفار مكة : متى هذا الفتح ؟ وهو القضاء . { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } : بأنه كائن ، فإن كان البعث والقيامة حقّاً - صدّقنا يومئذ وآمنا ؛ فأنزل الله - تعالى - ، { قُلْ } يا محمد لهم : { يَوْمَ ٱلْفَتْحِ } : يوم القضاء ، { لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } . بالبعث ؛ لقولهم : لو كان البعث الذي يقولون حقّاً صدقناه يومئذ . { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } : يقول : لا ينظر بهم بالعذاب حين يعذبون . وقال بعضهم : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتذاكرون - وهم بمكة - فتح مكة لهم ؛ فكان ناس من أهل مكة إذا سمعوا ذلك منهم هزءوا بهم وسخروا ويقولون لهم : متى فتحكم الذي تزعمون ؟ فنزل : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ } يا أصحاب محمد ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنها تفتح عليكم . لكن هذا بعيد ؛ لأنه يقول على أثره : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } ، ولو كان فتح مكة ، لكان ينفعهم إيمانهم ، ولهم نظرة وإنظار ؛ دل أنه يبعد صرفه إلى فتح مكة ، والأول أشبه أن يكون ؛ لما ذكر من ترك قبول الإيمان والإنظار ، وفي الدنيا يقبل ذلك كله ؛ فظهر أن الأول أشبه : كان السؤال عن الساعة أو عن المحاكمة ، إلا أن يثبت ما ذكر في الخبر : أنه لما فتح مكة أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذلك اليوم وانهزم المشركون ؛ فخرجوا من مكة ، وأقام من أقام بها ؛ فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم فأدلج خالد بن الوليد تلك الليلة دلجة في سبعمائة رجل ومعه أبو قتادة الأنصاري ، فأسروا في أسفل مكة حتى سقطوا من وراء الحرم ، فوجدوا الذين كانوا يهزءون بأصحاب محمد ، ويقولون : متى فتحكم هذا ؟ فوق جبل قد تحصنوا فيه ، فلما رأوا خالد بن الوليد قالوا : هذا خالد بن الوليد وإحنته ، وقد كان بينه وبينهم في الجاهلية إحنة ، فقال لهم خالد بن الوليد : ما لكم ؟ قالوا : قد أسلمنا ، قال : إن كنتم قد أسلمتم فانزلوا ، فنظر بعضهم إلى بعض ، فقال رجل منهم : أطيعوني ولا تنزلوا إليه ؛ فوالله لئن نزلتم إليه ليهلكنكم ، إنه لخالد بن الوليد وإحنته ، قالوا : والله ما علينا سبيل ؛ لقد أسلمنا ، ثم نزلوا ووضع عليهم خالد بن الوليد السلاح ، واعتزل أبو قتادة ، فقال : معاذ الله أن أعين على شيء مما هاهنا ، فبلغ ذلك النبي ؛ فبعث إليهم علي بن أبي طالب بالدية من غنائم خيبر ، فوداهم إليه بالدية حتى بعث إليهم بردعة الخيل حين راعوهم ، ومساقي الكلاب كانوا كسروها فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء لهم ، فذلك قوله : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } يا محمد إلى مدة لهم ، { وَٱنتَظِرْ } ، بهم العذاب ، أي : القتل وهلاكهم { إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } هلاككم . وقال بعضهم : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } : إلى ذلك اليوم ، { وَٱنتَظِرْ } : بهم فتح مكة ، { إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } : هلاكك . أو أن يكون قوله : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، أي : لا تكافئهم لأذاهم إياك ، { وَٱنتَظِرْ } : مكافأتنا إياهم ، { إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } : ذلك ، والله أعلم بالصواب .