Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-5)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا * فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } . اختلف فيه : قال بعضهم : الصافات هي الطير إذا صفت أجنحتها بين السماء والأرض . وذكر عن ابن مسعود قال : الصافات والزاجرات والتاليات كلهم الملائكة ، قال : الملائكة الصافات اصطفت الملائكة صفّاً لعبادة الله - عز وجل - : وتسبيحه ، وكذلك ذكر عن ابن عباس وغيره إلا أن غيره يفسر الزاجرات والتاليات أي ملائكة هم ؟ ولسنا نذكر عن ابن مسعود وابن عباس التفسير . وقال بعضهم : { فَٱلزَّاجِرَاتِ } : هم الملائكة الذين يزجرون السحاب والأمطار ، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } هم الملائكة يتلون القرآن والوحي على الرسل والأنبياء ، عليهم السلام . وقال قتادة : { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } أقسم الله - عز وجل - بخلق ممن خلق ، قال : { وَٱلصَّافَّاتِ } : الملائكة صفوف في السماء ، { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } : ما ذكر الله في القرآن من زواجر عن المعاصي والمساوي ، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } قال : ما يتلى عليكم في القرآن من أخبار الرسل - عليهم السلام - وأنباء الأمم التي كانت قبلكم . وجائز أن يكون { وَٱلصَّافَّاتِ } : هم الملائكة الذي يصلون لله - عز وجل - صفوفاً على ما ذكروا ، { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } : هم الملائكة الموكلون بأرزاق الخلق وسوقها إليهم يسوقون إليهم سوقاً ، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } : هم الملائكة الموكلون بالتسبيح والتحميد وجميع الأذكار . ثم وجه القسم بالملائكة الذين ذكر - والله أعلم - : أنه عز وجل قد عظم شأن الملائكة وأمرهم في قلوب أولئك الكفرة حتى قالوا : { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [ الفرقان : 7 ] ، وقولهم : { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } [ الأنعام : 8 ] ، وقول فرعون : { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [ الزخرف : 53 ] ، وقولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] ، وما وصفهم الله - عز وجل - : أنهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ … } الآية [ التحريم : 6 ] ، { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } الآية [ الأعراف : 206 ] ، وقوله - عز وجل - : { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ … } الآية [ الأنبياء : 20 ] ، عظم الله - عز وجل - أمر الملائكة عليهم و [ عظم ] شأنهم في قلوب أولئك الكفرة وصدقهم عندهم ؛ لذلك أقسم بهم على وحدانيته بقوله - عز وجل - : { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } على هذا وقع القسم . ثم أخبر عن صنع ذلك الواحد الذي هو إلهكم وإله الخلق جميعاً ، وذكر نعته ، فقال - عز وجل - : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } . يخبر عن وحدانيته وتفرده حيث أنشأ السماوات وأنشأ الأرض وما ذكر ، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ، ومنافع المشارق متصلة بمنافع المغارب على بعد ما بينهما ، ولو كان فعل عدد لمنع اتصال منافع بعض ببعض على ما يكون من فعل ذوي عدد وغلبة بعض على بعض ، فإذا لم يمتنع ذلك ، بل اتصل بعض ببعض ؛ دل أنه فعل واحد لا شريك له . ثم تخصيص ذكر السماوات والأرض وما ذكر دون غيره من الخلائق ؛ لما عظم قدر السماء في قلوبهم ؛ لنزول ما ينزل منها من الأمطار والبركات وغيرها ، والأرض بخروج ما يخرج منها من الأنزال والأرزاق ؛ ولذلك يخرج ذكرهما - والله أعلم - فيما ذكر حيث قال فيهما : { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ هود : 107 ] فلعظم قدرهما في قلوبهم ودوامهما عندهم خرج ذكرهما ، وإن كانتا تفنيان ولا تدومان أبداً ، والله أعلم . ثم قال - عز وجل - : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } قال بعض المعتزلة - وهو جعفر بن حرب - : فإن قال لنا قائل من قوله - عز وجل - : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } : إنه رب أعمالنا وأفعالنا ، فنقول له : إن أردت أنه رب أعمالنا وأفعالنا فبلى ، ثم قال : فيقال لهم : أتقولون : إنه خالق الكفر وخالق الشر ونحوه ، وفي أفعال الخلق الكفر والشر ونحوه ؟ ! قيل له : لا يقال ذلك على الإطلاق : إنه خالق الكفر وخالق شر ، وإن كان يقال في الجملة : خالق أفعال الخلق ، ورب كل شيء ، وخالق كل شيء ؛ لأن ذكره على الجملة يخرج على تعظيم ذلك الشيء ؛ نحو ما يقال : رب محمد ، ورب البيت ، إنما هو لتعظيم محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيم ذلك البيت خاصة ؛ فعلى ذلك وصفنا إياه بالجملة أنه خالق أفعال العباد وخالق كل شيء يخرج على وصف البيت بالعظمة والجلال ، وعلى الإشارة التي تبني منها ، والتخصيص على تعظيم ذلك الشيء خاصة ؛ لذلك جاز أن يوصف أنه خالق أفعال العباد جملة ؛ لما ذكرنا أنه يخرج على المدح والتعظيم وعلى الإشارة على المنة له في تعظيم ذلك الشيء ؛ لذلك افترقا ، والله الموفق . ثم يقال لهم : قولكم : إنه مالك لها وليس بخالق هل يقال لأحد : إنه مالك كذا إلا لما ينشئ ذلك أو لتمليك من يملكه ، فإذا ثبت أنه مالك الأعمال والأفعال ثبت أنه خالقها ؛ إذ لا يقال : مالك كذا إلا للقدرة على ذلك أو لما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } . قال بعض أهل التأويل : إن للشمس ثلاثمائة وستين مشرقاً تطلع كل يوم من كوة ، وكذلك يقولون في المغارب : إنها تغرب كل يوم من كوة ، لكن يشبه أن يكون أراد بالمشارق والمغارب كل شيء يشرق وكل شيء غارب من الشمس والقمر والنجوم والكواكب وغيرها ؛ [ وعلى ذلك ] يخرج قوله - عز وجل - : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] . وأما أهل التأويل فإنهم يقولون : مشرق الشتاء والصيف وكذلك مغربهما .