Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 85-85)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : وقوله - عز وجل - : { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } . لم يذكر ما تلك الشفاعة التي يشفع ؛ فيحتمل الشفاعة الحسنة : هي الدعاء له بالمغفرة والرحمة ، وهو لذلك مستوجب ؛ فيكون له بذلك نصيب . والشفاعة السيئة : هي الدعاء عليه باللعن والمقت ، وهو لذلك غير مستوجب ؛ فيكون له بذلك نصيب . وقيل : هو كقول العرب : " الدالّ على الخير كفاعله " ، من دل آخر على الخير ؛ فله في ذلك نصيب ، وكذلك من دل آخر على الشر . ويحتمل : الشفاعة الحسنة : في مظلمة ، يسعى في دفع مظلمة عن أخيه المسلم ، وهي شفاعة حسنة ؛ فله في ذلك نصيب . ويحتمل : الشفاعة السيئة : هي أن يسعى في فساد أمر يلحقه من ذلك نقمة ومظلمة ؛ فله في ذلك إثم . وقيل : الشفاعة الحسنة : هي التي ينتفع بها وعمل بها ، هي بينك وبينه ، هما فيها شريكان ، والشفاعة [ السيئة ] هي التي تضر به ، هما فيها شريكان . ويحتمل : أن تكون الشفاعة الحسنة : كل صانع معروف ، وكل آمر به ، والشفاعة السيئة : كل صانع منكر ، وآمر به ؛ فهما شريكان في ذلك : الآمر والفاعل جميعاً . ويحتمل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ، وَاللهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ " . وعن الحسن - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " لاَ صَدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ اللِّسَانِ " ؛ قيل : وما صدقة اللسان يا رسول الله ؟ قال : " الشَّفَاعَةُ تُجْرِيهَا إِلَى أَخِيكَ ، وترفع عنه ثقل الكريهة وتحقن بها الدم " " . والكفل والنصيب واحد . وقيل : الكفل : الجزاء ، وهو واحد . وقيل : الكفل : الإثم ، ولكن ليس إثمه خاصة ؛ ألا ترى أنه قال : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [ الحديد : 28 ] . والشفاعة من أعظم ما احتيج إليها ؛ إذ قد جاء القرآن بها ، والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والشفاعة في المعهود من الأمر تكون عند زلات يُستَوْجَبُ بها المقت والعقوبة ؛ فيعفي عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا بهم ، ثم كانت الصغائر منَّا لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود بالكبائر ، والكبائر مما يعفي عنها بالشفاعة ؛ فإذن يبطل عظيم ما جاء من القرآن والآثار في الامتنان ، ويسقط ما جبل عليه أهل العلم بالله وبرحمته ، ويبطل رجاء المسلمين بشفاعة [ الرسل - عليهم السلام - ] ولا قوة إلا بالله . وقال بعضهم : الشفاعة تخرج على وجهين : الأول : على ذكر محاسن أحد عند آخر ؛ ليقرر له عنده المنزلة والرتبة . والثاني : أن يدعو له ؛ فالأول هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه ، والثاني قد بين بقوله : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ … } [ غافر : 7 ] إلى قوله : { ٱلْعَظِيمُ } [ غافر : 9 ] وقوله - تعالى - : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] ، والخوف يدل على وجهين : الشفاعة ؛ لأن المرتضى هو ذو منزلة وقدْر ، وهو ممن تضمنته آية شفاعة الملائكة ؛ فيقال : الوجه الأول في الآخرة لا معنى له ؛ لوجهين : أحدهما : أنه في تقرير الأمر عند من يجهله ، والله - جل ثناؤه - هو العليم بحقيقة ذلك ، بل غيره مما يجوز عليهم خفاء الحقائق ؛ كقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ … } الآية [ المائدة : 109 ] ، وقال عيسى - عليه السلام - : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ … } الآية [ المائدة : 117 ] ؛ وكأن في ذلك أن الحقائق في ذلك عند الله ، وهم تبرءوا عن العلم بذلك ، وأقروا بأن الله هو المنفرد بعلم ذلك ، وبالله التوفيق . والثاني : أن ثمة كتباً يقرأ فيها أعمال بني آدم وما سبق منهم من صغير وكبير ؛ فهي الكافية في التقدير إن كان في حق الاحتجاج ، وإن كان في حق الإعلام - فعلم الله بهم مغنٍ عن ذلك ، ولا قوة إلا بالله . وأما الدعاء : فكذلك نقول بالدعاء لمن له ذلك الوصف ، ويشفع له فيما كان في ذلك منه من المآثم والذنوب ، لا أنه إذا كان كل أفعالهم ذلك ، فيشفع لهم ؛ لأنه لا يجوز في الحكمة تعذيبهم ، على ما ذكر من الأفعال ، بل لهم عليها أعظم الثواب ، وأرفع المأوى . وطلب الشفاعة والمغفرة لمثله يصح من وجوه : أحدها : أن ذلك لا يجوز في الحكمة ؛ فكأنهم طلبوا منه ألا يجور ولا يسفه ، وذلك لأفسق الخلق يخرج مخرج السفيه ، فضلا عن أن يتضرع إلى الله به ، جل الكريم الحليم عن هذا الوصف . والثاني : أن يخلق في مثله ؛ إذ هو مثاب غير معاقب ، يلقى ذلك منه بالشكر والحمد ، وفي الدعاء كتمان ذلك وكفرانه ، ومحال الإذن في مثله ، وبالله التوفيق . والثالث : أن ذلك في الموعود له بالجنة والمبشر بها ؛ فطلب مثله يوجب الجهالة بذلك ، لا أن يكون الوقت لم يبين ، يكون ذلك في الاستعجال ، وهو قولنا في أصحاب الكبائر : إنهم لو عُذِّبوا بقدْر الذنوب - لكان ذلك في الحكمة عدلاً ، فيشفع لسائلهم بالفضل والإحسان دون العدل والاستيفاء ، ولا قوة إلا بالله . والأصل : أنها مقادير للعقوبات ، [ و ] إنما يعرف من يعرف مقادير الأجرام ، وليس مِنَ الخلائق [ مَنْ ] يحتمل تركيبه احتمال العلم بمقاديرها ؛ إذ لا أحد يبلغ في معرفة تعظيم الله كُنْه عظمته ؛ ليعرفوا قدر الخلاف لأمره - جل وعلا - وما كان هذا سبيله - [ فحق القول الاتباع ] أن الله لا يجزي بالسيئة إلا مثلها . ثم معلوم أن لا سيئة أعظم من الكفر ، وجعل مثلها من الجزاء : الخلود في النار ، ممن ألزم ذلك لما دونه وصف الله - تعالى - أنه يجزي بالسيئة أكثر من مثلها ، والله - عز وجل - أخبرنا أنه لا يجزي ذلك ، [ والله أعلم ] . وقوله - عز وجل أيضاً - : { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً … } يكون فيما بين المرء والرب : يشفع إليه بالمغفرة لأحد والتجاوز عن المذنب ؛ ليكون له نصيب منها . ويحتمل : أن يكون الله - تعالى - برحمته يرحمه على أخيه بالشفاعة إليه - بالتجاوز عنه والمغفرة . ويحتمل : أن يكون الله - تعالى - إذا غفر له يجعل له في شفيعه شفاعة ؛ يهبه له كما وهب الأول له ، وفي السيئة فيما يلعنه ، أو يدعو الله عليه بالهلاك عن غير استحقاق ، أو عليه في بقائه ضرر يكون له نصيب منها يلعن لآخر ، أو أحداً يلعنه ويدعو عليه به أن يعاقبه بإساءته إلى أخيه في طلب الهلاك له بلا معنى له . وقوله - عز وجل - أيضاً : { مَّن يَشْفَعْ … } الآية ، يحتمل فيما بينه وبين ربه يشفع له : بخير إليه من عفو وتجاوز ، أو يسوء إليه من لعنه أو هلاكه ، والنصيب منها بوجهين : أحدهما : المغفرة في الأول هي برحمته أخاه وإشفاقه عليه ، أو يعطي المشفوع له الشفاعة ؛ فيكون ذلك له نصيباً منها ، وفي الثاني : يجزيه بإساءته إلى من لعنه ودعا عليه بالهلاك بلا استحقاق نفس الأول ، أو [ واحداً بمثله فيه ] ، والله أعلم . ويحتمل : فيما بينه وبين الناس ، ثم يكون ذلك بوجوه : أحدها : بما يشفع إلى من بين أخاه وآخر سواء في دفع ذلك وحلت التحية أو الألفة ، أو إلى ضد ذلك يشفع في إقالة عثرة ، أو ينم بينهما ؛ لإلقاء عداوة ، أو يشفع إليه بالدلالة على ملهوف في إغاثة ، أو مظلوم في نكبة ، أو يصنع معروفاً أو نكبة ، يبعث ذلك على خير أو شر ، ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } . قيل : هو الحافظ ، وهو قول ابن عباس . وقيل : { مُّقِيتاً } : حسيباً ، وقيل : شهيداً ، وقيل : { مُّقِيتاً } أي : مقتدراً ، مجازياً بالحسنة والسيئة . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنِ اسْتَأْكَلَ بِمُسْلِمٍ أَكْلَةً - أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ - أَقَامَهُ اللهُ - تَعَالَى - مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ ، وَمَنْ تَتَبْعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ - تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ - يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ " . وعن الفَرَّاء والكسائي قالا : الْمُقيت : المقتدر ؛ من " أَقَاتَ ، يُقِيت إِقاتة " . وقيل : الْمُقِيت مشتقة من الْقُوتِ ؛ يقول : رِزْق كل دابة على الله - تعالى - حتى تستوفي أكلها ورزقها . وقيل : مقيتاً : راحما يكلؤهم ويرزقهم . وقال أبو بكر الكسائي : وهو مأخوذ من الكتب السابقة ، ليس هو بلساننا ؛ فنحن لا نتأوله ؛ فلعله على خلاف ما نتأوله ، والله أعلم .