Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 90-91)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } . قال بعضهم : استثنى الذين خرجوا من دار الهجرة مرتدين إلى قومهم ، وكان بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق ، وقال : وفيهم نزل قوله - تعالى - : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 4 ] كأنه قال - والله أعلم - : إن وصل هؤلاء إلى أولئك الذين بينكم وبينهم عهد وميثاق - فلا تقاتلوهم . وقيل : كان هذا في حي من العرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان وعهد ، وكانت الموادعة على أن من أتاهم من المسلمين فهو آمن ، ومن جاء منهم إلى المؤمنين فهو آمن ، يقول - والله أعلم - : إن وصل هؤلاء أو غيرهم إلى أهل عهدهم - أو قال : عهدكم - فإن لهم مثل الذي لأولئك من العهد وترك القتال . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : لما صد مشركو مكة نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البيت - جاء رجل - يقال كذا من بعض القبائل - لينظر ما أمر محمد وقريش ؛ فرآهم قد حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين البيت ، فقال : يا معشر قريش ، [ هلكتم ] ؛ أتردُّون قوماً عمار ضفروا رءوسهم عن البيت ، والله لا نشرككم في هذا ؛ فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووادعه ألا يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكونوا عليه ، ومن لجأ إليه فهو آمن . فلا ندري كيف كانت القصة في ذلك ، غير أن فيه دليلا أن من اتصل بأهل العهد وكان على رأيهم - فهو بمنزلتهم ، لا نقاتلهم . ومن قولنا : إن الإمام إذا وادع أهل بلدة من بلدان أهل الحرب ، فمن دخل فيها أو اتصل بهم فهم آمنون مثلهم ؛ لا يحل قتالهم ، ولا أسرهم ، حتى ينبذ إليهم عهدهم ، وإذا أمَّن قوماً منهم في دار الإسلام ووادعهم ، ثم انضم إليهم آخرون ، فدخلوا معهم دار الإسلام - له قتالهم وأسرهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } . قيل : أي : ضيقة صدورهم ، وهكذا قال الكسائي : كل من ضاق صدره عن فعل أو كلام ؛ [ فقد حصر ] ، فهذا - والله أعلم - ما ذكرنا : أن الموادعة ألا يعين بعضهم بعضاً في القتال ، ولا يعينوا عليهم عدوهم ، فنهاهم الله عن قتالهم ؛ لما أخبر أن قلوبهم تضيق على أن يقاتلوكم مع قومهم أو أن يقاتلوا قومهم معكم . وفي قوله - تعالى - أيضاً : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } يحتمل : أن يكون حكم هذا الحرف ما ضَمَّنه الحرف الأول ؛ فيكون ذلك الشيء عمن ذكرت إذا كان هذا صفته - أن يضيق صدره عن مقاتلة المؤمنين والكافرين جميعاً : إما بالطبع ، أو بوفاء العهد ، أو بالنظر في الأمر ؛ ليتبين له الحق ، وهو متردد في الأمر ؛ بما يجد المعروفين بالكتب التي احتج بها الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفين فيه على ما عقولهم مرتقب بهم ، أو تخلف عن الإحاطة بحق الحق إلا بعد طول النظر ، والله أعلم ؛ فيكون معنى قوله : { أَوْ جَآءُوكُمْ } بمعنى : وجاءوكم . ويحتمل : في قوم سوى ما ذكرت من الذين يصلون ، لكن في أولئك المعاهدين نفسه الذين أبت أنفسهم نقض العهد بينهم وبين المؤمنين ، وعزموا على الوفاء به ، وأبت أنفسهم - أيضاً - معونة المؤمنين على قومهم بالموافقة بالمذهب والدين ، وعلى ذلك وصف جميع المعاهدين الذين عزموا على الوفاء بالعهد ، وذلك في حق الآيات التي ذكرنا ، ثم بين الذين يناقضون العهد ، أو المنافقين الذين متى سئلوا عن الكون على رسول الله والعون لأعدائه - الأمر فيهم ؛ وذلك كقوله تعالى : { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } [ الأحزاب : 13 ] . إلى قوله : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } [ الأحزاب : 14 ] وتكون هذا الآية فيهم ؛ كقوله - تعالى - : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ … } الأية [ الأحزاب : 60 ] ؛ فيكون في هذه الآية الإذن ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ } . أي : نزع من قلوبهم الرعب والخوف ؛ فقاتلوكم ، ولم يطلبوا منكم الصلح والموادعة . { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } . يعني : طلبوا الصلح ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وقيل : قالوا : إنا على دينكم ، وأظهروا الإسلام . { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } . أي : حجة وسلطان القتال ، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالكف عن هؤلاء . ثم قال : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ … } الآية . قيل : كان رجال تكلموا بالإسلام متعوذين ؛ ليأمنوا في المسلمين إذا لقوهم ، ويأمنوا في قومهم بكفرهم ؛ فأمر الله بقتالهم ، إلا أن يعتزلوا عن قتالهم . وقيل : قوله - تعالى - : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } غيرهم ممن لا يفي لكم ما كان بينكم وبينهم من العهد . { يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ } يقول : يريدون أن يأمنوا فيكم ؛ فلا تتعرضوا لهم ، ويأمنوا في قومهم بكفرهم ؛ فلا يتعرضوا لهم . ثم أخبر - عز وجل - عن صنيعهم وحالهم ، فقال : { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } . يعني : الشرك . { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي : كلما دُعوا إلى الشرك فرجعوا فيها ، فهؤلاء أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم ، وعرفه صفتهم ، إن لم يعتزلوا ولم يكفوا أيديهم عن قتالكم . { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } . أي : جعلنا لكم عليهم سلطان القتل وحجته . [ و ] في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " ويكفوا أيديكم عن أن يقاتلوكم " وفي حرفه : " ركسوا فيها " . وفي حرف حفصة : " ركسوا فيها " وفي حرفها : " إن يقاتلوكم ويقاتلوا قومهم " . ثم يحتمل نسخ هذه الآية بقوله : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } [ البقرة : 190 ] . وقوله - تعالى - : { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } بقوله - عز وجل - : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] ؛ [ لأن الفرض في القتال أول ما كان فرض أنه يقاتل من قاتلنا وبدأنا ، ثم إن الله - تعالى - قال : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ } ] [ التوبة : 5 ] .