Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } . ظاهر هذا أن تفسير { حـمۤ } هو قوله : { تَنزِيلٌ } ، وحم خبر لمبتدأ محذوف مقدر { تَنزِيلٌ } مبتدأ من : { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ؛ وكذلك قوله : { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ غافر : 2 ] ، والأصل في حواميم وسائر الحروف المقطعة : أنها تبعث سامعها على التفكر والتأمل ؛ لأنه لا يفهمها وقت قرعها السمع حتى يتأمل ويتفكر فيها ؛ لأنها كلام لم يسمعوه قبل ذلك ، فيحملهم ذلك على الاستماع والتفكر فيها والنظر ، فيقع ما هو المقصود من الخطاب في سماعهم ويعرفوا وجه الإعجاز ؛ فيتوصلوا بذلك إلى الحق ، وقد ذكرنا في الحروف المقطعة وجوهاً أخر فيما تقدم . ثم ذكر هاهنا رحمته ورأفته ؛ ليرغبهم فيما يرحمهم ويرأف بهم ، وهو قوله : { حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ، وذكر في السورة الأولى عزه وقدرته وسلطانه وعلمه ؛ ليحذروا مخالفته وعصيانه ظاهرا وباطناً حيث قال : { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ غافر : 1 - 2 ] ، ليطلبوا العز من عنده . وقوله : { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } . قال أهل التأويل : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي : ثبت فيه من الحلال والحرام ، وما لهم وما عليهم ، وما يؤتى وما يتقى ونحوه . وعندنا يحتمل قوله : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } وجهين : أحدهما : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي : فرقت كل آية من الأخرى ، من نحو : آية التوحيد فرقت من آية الرسالة ، وفرقت آية البعث من غيرها ، فرق كل آية من الأخرى . والثاني : يحتمل التفريق في الإنزال ، أي : فرقت آياته في الإنزال ، لم يجمع بينها في الإنزال ، ولكن فرق في أوقات متباعدة . ويحتمل قوله : { فُصِّلَتْ } : ثبتت ، على غير ما قاله أهل التأويل ، وهو أن يثبت آياته بالحجج والبراهين حتى يعلم أنها آيات من الله تعالى . وقوله : { قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . أي : أنزله بلسان يعلمونه ويفهمونه لا بلسان لا يعلمونه ولا يفهمونه ، أي : أنزله بلسانهم . ويحتمل { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : ينتفعون بعلمهم ، أي : حصل إنزاله لقوم ينتفعون ، فأما من لم ينتفع به ، فلم يحصل إلا الإنزال له ، والله أعلم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { قرآنا عربيا لقوم يعقلون } . وقوله : { بَشِيراً وَنَذِيراً } . البشارة والنذارة هي بيان ما يكون في العاقبة من الخير والشر ، أو يقال : البشارة هي الدعاء إلى ما يوجب لهم من الحسنات والخيرات في العاقبة ، والنذارة هي الزجر عما يوجب لهم من السيئات والمكروهات في العاقبة ، والنذارة هي الزجر ؛ فصار معنى الآية : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل داعياً إلى الحسنات وزاجراً عن السيئات ، والله أعلم . وقوله : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } . يحتمل إعراضهم عنه وجهين : أحدهما : أي : أعرضوا عن التفكر فيه والتأمل . والثاني : أعرضوا عن اتباعه بعدما تأملوا فيه وتفكروا ، وعرفوا أنه حق وأنه من الله تعالى ، لكنهم تركوا اتباعه عناداً منهم ومكابرة ؛ حذرا عن ذهاب الرياسة ، والله أعلم . وقوله : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . أي : لا يجيبون على ما ذكرناه . قوله : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } . لا شك أن قلوبهم على ما ذكروا أنها في أكنة وفي آذانهم وقر ؛ لأنه ذكر - جل وعلا - أنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا ؛ حيث قال تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } [ الأنعام : 25 ] على ما أخبروا أن قلوبهم في أكنة وغطاء ، وفي آذانهم وقر ، لا يفقهون ما يدعون إليه ، ولا يسمعون ذلك وإن كانوا يفقهون غيره ويسمعون ؛ لأنهم كذلك قالوا : { قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } . وقوله : { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } . إن ثبت ما ذكر بعض أهل التأويل : أن ثوباً فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : كن أنت يا محمد في جانب ، ونكون نحن في جانب آخر ، ونحوه من الكلام - فهو ذلك ، وإلا احتمل أن يكون قوله : { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } : هو ما حجبتهم ظلمة الكفر وغطتهم عن فهم ما دعوا إليه وعلم ما دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ، هذا يحتمل وجهين : أحدهما : اعمل أنت بدينك فإنا عاملون بديننا ؛ كقوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] . والثاني : فاعمل أنت في كيدنا فإنا عاملون في كيدكم والمكر بكم ، والله أعلم . ويحتمل أن يقولوا : اعمل أنت لإلهك فإنا عاملون لإلهنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } . هذا الحرف يخرج على وجهين : أحدهما : كأنه يقول لهم : إنما أنا بشر مثلكم أفهم وأعقل يوحى إليَّ وأسمع ذلك ، فأنتم في قولكم : إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر - لا عذر لكم في ذلك ؛ لأنه إنما يحجبكم عن ذلك ويغطي قلوبكم عن فهم ذلك الكفرُ الذي أنتم عليه والضلال الذي أنتم فيه ، فاتركوا ذلك حتى تفهموا وتعقلوا ما تدعون إليه وتؤمرون به ، كما أفهم أنا وأعقل إذ أنا بشر ، والله أعلم . والثاني : يقول : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } ، أي : إنما أنا بشر مثلكم أمرت أن أبلغ إليكم أن إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ، وإلا لو [ لم ] أؤمر بتبليغ الرسالة إليكم إنما إلهكم إله واحد - لكنت أترككم وما أنتم عليه ؛ لقولكم : إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر فاعمل إننا عاملون . على هذين الوجهين تأويل الآية ، والله أعلم . وقوله : { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } . قال بعضهم : أي : فاستقيموا إليه بالطاعة . وقيل : أي : استقيموا إلى ما دعاكم إليه من التوحيد . وقوله : { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } . أي : انتهوا عما أنتم عليه من الكفر والضلال ؛ ليغفر لكم ما كان منكم في حال الكفر ؛ كقوله تعالى : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . ويحتمل : أي : كونوا على حال بحيث يقبل استغفاركم وطلب تجاوزكم . وقوله : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } . والإشكال : أنه لماذا خص المشرك الذي لم يؤتِ الزكاة ، وينكر الآخرة - بالويل ، وقد يلحق الويل للمشرك آتى الزكاة أو لم يؤت ، آمن بالآخرة أو كفر بها - فنقول : قال بعض أهل التأويل : معناه : وويل للمشركين الذين لا يؤمنون بإيتاء الزكاة ، ولا يؤمنون بالآخرة ، وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة ؛ لما كان سبب كفرهم مختلفاً : منهم [ من ] كان سبب كفره بخله في المال وشحه ، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء ، [ و ] منهم من كان كفره إنكاره جزاء الأعمال ، حمله ذلك على إنكار الآخرة ، ومنهم من كان سبب كفره الخضوع لمن دونه أو مثله في أمر الدنيا ، حمله ذلك على إنكار الرسالة والجحود لها ، وغير ذلك من الأسباب التي حملتهم على الكفر والضلال وهي مختلفة . ويحتمل قوله : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } لا على زكاة الأموال ، ولكن على زكاة الأنفس ؛ كأنه يقول : وويل للمشركين الذين لا يعلمون ولا يسمعون فيما به تركوا أنفسهم ويشرف ذكرها ويصلح أعمالهم به ولا ما يجزون به في الآخرة ، أي : ويل لمن لا يعمل ذلك ، والله أعلم . وهذان الوجهان جواب عمّن تعلق بظاهر هذه الآية على أن الكفار يخاطبون بالشرائع ؛ حيث ألحق الوعيد بهم بترك إيتاء الزكاة ، والزكاة من الشرائع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } . أي : غير مقطوع وذلك في الآخرة . وقال بعضهم : أي : غير ممتن عليهم ، وذلك في الآخرة أيضاً ، ومعناه - والله أعلم - : أنه يزاد لهم في الآخرة على قدر أعمالهم ، ولا يمن عليهم في تلك الزيادة ، وقال بعضهم : { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير منقوص ولا ممنوع ، وذلك - والله أعلم - أن من كان يعمل في حال شبابه وقوته الصالحات والطاعات ، ثم كبر وعجز عن إتيانها أنه لا يمنع ولا ينقص منه الأجر الذي كان مُجرى عليه ويكتب له في حال شبابه وقوته ، والله أعلم .