Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 40-44)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } . قرأ بعضهم : { يُلْحِدُونَ } برفع الياء ، وقرأ بعضهم بنصبها : فمن قرأ بالرفع ، تأويله : إن الذين يميلون عن قبول آياتنا ، قال أبو عوسجة : الإلحاد : الميل ، وأخذ اللحد من هذا . ومن قرأ بالنصب يقول : يعملون في آياتنا ، إن الذين يعملون في دفع آياتنا وإبطالها . { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وعيد منه لهم ، يقول : لا يخفون هم وما يفعلون علينا فيجزيهم بذلك ، والله أعلم . وقوله : { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . يشبه أن يكون هذا صلة لآيتين تقدم ذكرهما : إحداهما : قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ … } الآية هذه في المؤمنين ، وقال في الكافرين : { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } الآية [ فصلت : 27 ] . والآية الثانية : قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } [ فصلت : 34 ] يقول : أفمن يلقى في النار بأعماله السوء خير أمّن يأتي آمنا عن ذلك بأعماله الحسنة ؟ ! أي : يعلمون أن من يلقى في الآخرة في النار ليس كالذي يأتي آمنا عن ذلك كله ، والله أعلم . وقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } . يحتمل هذا وجهين : أحدهما : على التخيير ؛ لأنه جل وعلا بيَّن السبيلين جميعاً على المبالغة بياناً شافياً واضحاً ، وبين عاقبة كل سبيل من سلكه إلى ماذا يفضي ، ثم قال : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } أي : اسلكوا أي سبيل شئتم ، فإن سلكتم طريق كذا فلكم كذا ، وإن سلكتم طريق كذا فلكم كذا ، والله أعلم . والثاني : على الوعيد . وكذا قوله : { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } على الوعيد . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } . سمى القرآن ذكرا ، وهو يحتمل وجوهاً : أحدهما : سماه ذكر ؛ لأن من اتبعه وعمل بما فيه صار مذكوراً شريفاً . أو سماه ذكرا ؛ لما يذكر لهم ما نسوا من أحكام الله . أو يذكر ما لله عليهم وما لبعض على بعض . { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } . يحتمل قوله : { لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } أي : عزيز لا يذله جحود الجاحدين ولا تكذيب المكذبين ، أو يقول : عزيز عند الله تعالى أكرم به محمداً صلى الله عليه وسلم وعزيز يعز من اتبعه وعمل به ، كما ذكرنا أنه يشرف من اتبعه وعمل بما فيه . وقوله - عز وجل - : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } . قال بعض أهل التأويل : أي : لا ينزل كتاب من بعده يكذبه أو يبطله ، ولا قبله كتاب يكذبه أو يبطله ، بل خرج موافقاً لما قبله من الكتب . ويحتمل أن يكون قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أي : إبليس لا يستطيع أن يبطل منه حقّاً ، أو يحق منه باطلا ، أو ينقص منه حقّاً ، أو يزيد فيه باطلا ، بل هو على ما ذكرنا : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . وقال بعضهم ما ذكرنا : لا تكذبه الكتب التي كان قبله . وقوله : { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } . أي : لا يجيء من بعده كتاب يكذبه ، ومعنى هذا : أنهم كانوا يردون ذلك ويدفعونه ، وليست لهم حجة من الله في ردهم إياه ولا في دفعه ، بل يدفعونه بلا حجة ولا برهان { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } . وعن الحسن قال في قوله تعالى : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } : إن الله - سبحانه وتعالى - حفظه من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقّاً ، ثم قرأ : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . ودل قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } على أن كل ما أضيف إليه [ من ] اليدين والخلف لا يُفهم منه بذكر اليدين : الجارحتان ، أو بذكر الخلف : بقوله : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } ؛ فعلى ذلك ما أضيف إلى الله تعالى من اليدين ومن بين يديه ، لا يُفهِمُ اليدان حقيقة الجارحتين ، والله الموفق . وقوله : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } . أي : هذا القرآن هو تنزيل من حكيم حميد ، الحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره أو في حكمه ، والحميد : هو الذي لا يلحقه الذم في فعله ، والله الموفق . ثم قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } لم يخرج له جواب في هذا الموضع ، ثم قال بعضهم : جوابه ما ذكر في آية أخرى بعد هذا ، وهو قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، وقال بعضهم : بل جوابه ما ذكر في " حم المؤمن " حيث قال الله - تعالى - : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } يعزِّي النبي ويصبِّره ليصبر على ما كانوا يقولون له : إنه كذاب وإنه ساحر ، وإنه مجنون ، وإنه إنما يعلمه بشر ، وإنه مفترٍ ، وغير ذلك من أنواع الأذى ، كانوا يؤذونه وكان يشتد عليه ذلك ويثقل ؛ لأنه كان يدعوهم إلى ما به نجاتهم وهم كانوا يستقبلونه بما ذكر ، فقال الله - تعالى - له عند ذلك : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } من التكذيب والنسبة إلى السحر والجنون وغير ذلك ، يصبِّره على ذلك ؛ وهو كقوله تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ … } الآية [ الأحقاف : 35 ] . ويحتمل أنه إنما ذكر ذلك له ؛ ليسلَّى به عن بعض ما يلحقه من الضجر والوحشة بالذي قالوا فيه ؛ بما علم أنه ليس بأول مكذَّب من الرسل ، ولا بأول متأذٍّ في ذات الله تعالى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } . يقول - والله أعلم - : على أن ذلك إن ربك لذو مغفرة لو تابوا ، ورجعوا عن ذلك ، وذو عقاب أليم لو ثبتوا وداموا على ذلك . أو يقول - والله أعلم - على الصلة لقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } أي : إنه لذو مغفرة يغفر لهم ما كان منهم من التكذيب لك والتكذيب للقرآن لو تابوا ورجعوا وصدقوا ، وذو عقاب أليم إن لم يتوبوا وثبتوا على ذلك ، والله أعلم . أو يذكر هذا ، أي : ليس إليك مكافأتهم ومجازاتهم بما كان منهم ، إنما ذلك إلينا إن شئت غفرت لهم إذا رجعوا عنه ، وإن شئت عاقبتهم ؛ وهو كقوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ … } الآية [ آل عمران : 128 ] . وقوله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } . وقال في آية أخرى : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 198 - 199 ] ، وقال في موضع آخر : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 7 ] يذكر في هذه الآيات كلها سفه أهل مكة وشدة تعنتهم ؛ يقول : لو أنزلنا عليك الكتاب جملة في قرطاس بحيث يرون نزوله من السماء ويعاينونه ، قالوا : ما هذا إلا سحر مبين . ويقول أيضاً - والله أعلم - : ولو نزلنا هذا القرآن على بعض الأعجميين بلسان ، فقرأه عليهم - أي على أهل مكة - بلسان العرب بحيث يفهمون - ما كانوا به مؤمنين ؛ لأن قراءة الأعجمي إياه بلسان العرب أكبر في الآية وأعظم في الأعجوبة من قراءة العربي بلسان العربية ، أي : قراءة كل أحد شيئاً بغير اللسان الذي هو لسانه أكبر في الآية وأعظم في الأعجوبة من القراءة بلسان هو لسانه . يقول : لو نزلنا على من لسانه لسان العجم والقرآن عربي ، فقرأ الأعجمي ذلك على أهل مكة بلسان العرب ؛ فهو أكبر أعجوبة وأعظم في الآية - لكانوا لا يؤمنون به . فعلى ذلك يقول - والله أعلم - : ولو جعلناه قرآنا أعجميّاً وعاينوا نزول ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم وفهمه وأداه وقرأه عليهم بلسان العرب { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } يعنون القرآن { وَعَرَبِيٌّ } أي محمد - عليه الصلاة والسلام - يقولون : القرآن أعجمي ومحمد عربي كيف يكون ؟ ! أي : لا يكون هذا ويكذبونه ولا يؤمنون به ؛ وذلك لما ذكرنا : أن أداءه بلسان ليس ذلك لسانه وقراءته بعين ذلك اللسان ، أكثر في جعله آية وأعظم في الأعجوبة ؛ إذ يمكن الاختلاف من نفسه باللسان الذي هو لسانه ، وموهوم ذلك إذا لم يكن ذلك لسانه ، يخبر عن سفههم وشدة عنادهم في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، والله أعلم . وقال بعض أهل التأويل : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يدخل على رجل أعجمي يقال له أبو فكيهة ، فقالوا : إنما يعلمه بشر فأنزل الله تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } بلسان أعجمي ، لقال كفار مكة : { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } بالعربية ، أي : بينت حتى نفقهها ونعلمها ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ولقالوا : أعجمي أنزل عليه القرآن ومحمد عربي ؛ فأنزله عربيّاً ليفقهوه ؛ فلا يكون لهم الاعتلال والاحتجاج . وقال بعضهم : لولا فصلت آياته حتى يفقهها ، أعجميٌّ القرآن وعربيٌّ الرجل ؟ ! وقال أبو معاذ : يكون معنى هذا : أن الله تعالى يستفهم قرآنا أعجميّاً على رجل عربي فلا يفهمون ؛ فيكون الحجة لهم بذلك ، وهو مثل الأول . وقال بعضهم : { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } استفهام من قريش ، يكون معناه : لو أنزلناه قرآنا أعجميّاً على رجل عربي لقالوا : أعجمي وعربي كيف يفهم هذا وكيف يعقله ؟ ! لَكنَّا قد ذكرنا أن هذا في الدلالة أكثر وفي الأعجوبة أعظم ، والوجه فيه ما ذكرنا بدءاً . وقال القتبي : { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أنزلت عربية مفصلة بالآي كان التفصيل للسان العرب ، لكن لسنا ندري ما يريد بهذا الكلام أن التفصيل للسان العرب . وقال بعضهم : { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي : هلا فرقت آياته حتى جعل من كل لسان من لسان العجم ولسان العرب ؛ حتى يفهمها أهل كل لسان ، والله أعلم . وفي هذه الآية دلالة على أنه لو أنزله بلسان العجم لكان قرآنا ، وأن اختلاف اللسان لا يغيره ولا يحوله عن أن يكون قرآنا - والله أعلم - فيكون دليلا لقول أبي حنيفة - رحمه الله - : إنه إذا قرأ بالفارسية في صلاته يجوز ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } . وصف الله تعالى هذا القرآن بالشفاء وللرحمة والهدى ، وسماه مرة عزيزاً كريماً مجيداً حكيماً ، ونحوه ، فهو هدى من الضلالة والحيرة والشك وكل شبهة ، وشفاء لكل داء وسقم يكون في الدين والأنفس جميعاً ، هو شفاء لذلك كله وهو هدى . ثم يحتمل الهدى وجهين في هذا الموضع : أحدهما : هو هدى لكل ضلالة ، أي : دعاء إلى الذي يضاد الضلال . والثاني : هدى ، أي : جعل بياناً لكل حيرة وشك وشبهة ، من اتبعه وقبله ونظر إليه بعين التعظيم والتبجيل دعاه إلى سبيله ودينه ويخرجه من الضلال ، ويكون بياناً لكل من فيه الحيرة والشك والشبهة ، ويخلى له الطريق ويوضح له السبيل ويخرجه من الشبهات ، فهو للمؤمنين من الهدى والشفاء ؛ لأنهم قبلوه واتبعوه وتكلفوا العمل بما فيه ، وأما الكفرة فهو عليهم عمى وحيرة وشك ، لأنهم لم يقبلوه ولم يتبعوه ونظروا إليه بالاستخفاف والهوان ؛ ونبذوه وراء ظهورهم فلم يبصروا ما فيه ؛ فهو صار لهم عمى وما ذكر ، والله أعلم . وكذلك قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } سماهم غيبة وإن كانوا بأنفسهم حضوراً شهوداً ، وسماهم موتى ، وإن كانوا في الحقيقة أحياء ، وسماهم صمّاً وبكماً وعمياً وإن كانت لهم هذه الجوارح في الحقيقة ؛ لما لم ينتفعوا بهذه الجوارح بالذي جعلت هذه الجوارح له وأنسيت فنفاها عنهم ؛ ليعلم أن المقصود ما يشاهده الجوارح والأنفس ، لا نفس هذه الجوارح والأنفس ولكن طلب ما غاب عنها وخفي ؛ إذ أنفسهم في الحقيقة كانت شهودا وحضورا ؛ سماهم : ميتة وأحياء وبصراء ، وسماهم موتى وعميا وما ذكر ؛ ليعلم أنها إنما جعلت ؛ ليكتسبوا بها الحياة الدائمة ، والبصر الدائم ، وما ذكر من كل شيء من السمع وغيره ، وكذلك هذه النعم التي جعلت ؛ في الدنيا جعلت ليكتسبوا بها النعم الدائمة ، فإذا لم يستعملوها فيما جعلت صاروا كما ذكر ، والله أعلم . وقال بعضهم : { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } ، أي : عموا عنه . وقال بعضهم : { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } ، أي : في الآخرة ، جزاء بما نسوه في الدنيا ؛ كقوله تعالى : { لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [ طه : 125 - 126 ] . وقيل : قوله : { يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } عبارة عن قلة أفهامهم ؛ يقال للرجل الذي لا يفهم : أنت تنادى من مكان بعيد ، والله أعلم .