Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-120)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } [ الآية ] . يحتمل هذا القول أوجهاً ثلاثة : أحدها : أن كان هذا القول منه في الوقت الذي كان عيسى بين أظهرهم ؛ ليكون ذلك آية وحجة لمن تبعه على من زاغ عن طريقه ، وضل عن سبيل الهدى ؛ لأنه تبرأ أن يكون قال لهم ذلك . ويحتمل : أن يكون قال ذلك له وقت رفعه إلى السماء : قرر عنده أن قومه يقولون ذلك القول بعد مفارقته قومه . وقيل : إنه يقول ذلك له يوم القيامة ويكون " قال " بمعنى : " يقول " ؛ كقوله - تعالى - : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } [ غافر : 49 ] ، وكقوله - تعالى - : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ } [ المائدة : 109 ] أي : يقولون ، وذلك جائز " قال " بمعنى : " يقول " ، وذلك في القرآن كثير . واتخاذهم عيسى وأمه إلهين قول متناقض ؛ لأنهم سمَّوها : أم عيسى ؛ فإذا ثبتت لها الأمومة بطل أن تكون إلهاً ؛ وكذلك عيسى : إذا ظهر أنه كان ابنا لها ، بطل أن يكون إلها ؛ لأنه لا يكون ابن غيره إلهاً ، لكنهم قوم سفهاء ، يقولون ذلك عن سفه . { قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } . أي : لا ينبغي لي أن أقول ما ليس ذلك بحق . { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } . يتكلم في النفس على وجهين : أحدهما : يراد ما يضمر . والثاني : على إرادة الذات ؛ فإن كان الله يتعالى عن أن يوصف بالذات كما يوصف الخلق ؛ دل أنه إنما يراد بذلك غيره ، وهو أن يقال : تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك ، أو يقول : تعلم ما كان مني ولا أطلع على غيبك . { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } . أي : إنك أنت علام ما غاب عن الخلق . قوله تعالى : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . وقوله - عز وجل - : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ } . أي : ما دعوتهم إلا إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه من التوحيد والعبادة لك . وقوله : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } . أي : شاهداً عليهم . هذا يدل على أن ذلك القول كان منه وقت رفعه إلى السماء ، أو يكون يوم القيامة . ويقال : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } أي : كنت عليهم حفيظاً ما كنتُ بين أظهرهم . { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } . أي : الحفيظ عليهم . { وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . بما أمرتهم من التوحيد والعبادة لك ، وشاهداً عليهم بما قالوا من البهتان . وذكر في بعض القصة : لما قال الله - تعالى - لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } - قيل : فَأُرْعِدَتْ مفاصله ، وخشي أن يكون قالها ؛ فقال : { قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ … } الآية . وذكر - أيضاً - متكلمان يتكلمان يوم القيام : نبي الله عيسى ابن مريم - عليه السلام - وعدو الله إبليس - لعنه الله - : فأما كلام عيسى - عليه السلام - يقول الله : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ فقال عيسى ابن مريم - عليه السلام - : { قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ … } إلى قوله : { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . وأما كلام اللعين : فيقول : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ … } الآية [ إبراهيم : 22 ] . وقوله - عز وجل - : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . اختلف فيه : عن الحسن قال : يقول ذلك في الآخرة : { إِن تُعَذِّبْهُمْ } إن تعذب من مات على ما كان منه من القول الوخش في الله ، { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } أي : وإن تغفر لمن أكرمت له بالإسلام والهدى { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ؛ لأن منهم من قد آمن بعد هذا القول الوخش في الله . وقال آخرون : هذا القول كان من عيسى في الدنيا : { إِن تُعَذِّبْهُمْ } ، يقول : إن تعذب من مات على الكفر الذي كان منهم { فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ } من أكرمت له الهدى { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : أنت العزيز وهم عبادك أذلاء . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( فإنك أنت الغفور الرحيم ) [ و ] هو ظاهر ؛ لأنه ذكر أنه غفور على إثر المغفرة . وروي في الخبر أن نبي الله - عليه السلام - كان أحيا ليله بقوله : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } به قام ، وبه سجد ، وبه قعد ، فهو - والله أعلم - على التشفع والتضرع إليه ، كأنه قال : إن خذلتهم فمن الذي ينصرهم ويدفع ذلك عنهم دونك ، وهم عبادك أذلاء ؟ ! وإن أكرمتهم فمن الذي يمنعك عن إكرامهم ؟ ! . والثاني : إن تعذبهم فلك سلطان عليهم ، ولست أنت في تعذيبك إياهم جائرا ؛ لأنهم عبادك ؛ لأن الجور هو المجاوزة عن الحد الذي له إلى الحد الذي ليس له . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا } . قيل : " قال … " بمعنى : " يقول الله يوم القيامة " { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } ، أي : اليوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا ، وينفع صدق الصادق - أيضاً - في الدنيا ؛ لأنه إذا عرف بالصدق قُبِلَ قوله ، وإن لم يظهر صدقه في قوله . ثمَّ اختلف في الصادقين من هم ؟ : قال بعضهم : هم المؤمنون جملة ، أي : يومئذ ينفع إيمان المؤمنين ، وتوحيد الموحدين في الدنيا ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ } [ الحديد : 19 ] . وقال بعضهم : الصادقون : هم الأنبياء ، عليهم السلام . وقوله - عز وجل - : { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . قد ذكرناه فيما تقدم . { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } . و " خالدين " و " أبداً " واحد ؛ لكنه يذكر على التأكيد . وقوله - عز وجل - : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } . لسعيهم في الدنيا . { وَرَضُواْ عَنْهُ } . بالثواب لسعيهم . ويحتمل : { وَرَضُواْ عَنْهُ } بما وفقهم على سعيهم المحمود في الدنيا { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . لأنه ليس بعده خوف الهلاك ، ولا خوف الفوت ؛ فهو الفوز العظيم ، ليس كفوز الدنيا ؛ لأنه لا يذهب عنه خوف الهلاك ، ولا خوف الفوت . وقوله - عز وجل - : { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ } . [ كأن ] هذا خرج على إثر قوله : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي : كيف يتخذ أرباباً وولداً وله ملك السماوات والأرض وملك ما فيهن من الخلق ، كلهم عبيده وإماؤه ؟ ! . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . لا يعجزه شيء ، [ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ] .