Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-58)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ … } الآية . قوله - تعالى - : { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } : إن قوله : { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ } - وإن كان حرف توحيد وتفريد - فإن المراد منه الجماعة ؛ ألا ترى أنه قال : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ } ؟ ! دل هذا على أن المراد منه الجماعة والعصابة ، ولأن الواحد - والاثنين - إذا ارتد عن الإسلام يؤخذ ويحبس ويقتل إن أبى الإسلام ، والجماعة إذا ارتدوا عن الإسلام احتيج إلى نصب الحرب والقتال ؛ على ما نصب أبو بكر الحرب مع أهل الردة . وفي الآية دلالة إمامة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لأن العرب لما ارتدت [ عن الإسلام ] بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حاربهم ؛ فكان هو ومن قام بحربهم ممن أحب الله وأحبه الله . وعن الحسن - رضي الله عنه - : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال : هو - والله - أبو بكر وأصحابه ، رضي الله عنهم أجمعين . وقوله - تعالى - : { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } [ الفتح : 16 ] : يدل على إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - لأنه كان الداعي إلى حرب أهل الردة . فإن قيل : يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دعاهم - قيل له : قال الله - تعالى - : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] فمحال أن يدعوهم فيطيعوا ، وقد قال الله - تعالى - : إنهم لن يخرجوا معه أبداً . فإن قيل : قد يجوز أن يكون عمر - رضي الله عنه - هو الذي دعاهم - قيل له : فإن كان ، فإمامة عمر - رضي الله عنه - ثابتة بدليل الآية ، وإذا صحت إمامته صحت إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - لأنه المختار له والمستخلف . فإن قيل : قد يجوز أن يكون علي - رضي الله عنه - هو الذي دعاهم إلى محاربة من حارب - قيل له : قال الله - تعالى - : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ الفتح : 16 ] ، وهذه صفة من يُحَارَبُ من مشركي العرب الذين لا تقبل منهم الجزية ، وعلي - رضي الله عنه - إنما حارب أهل البغي وهم مسلمون ، ولم يحارب أحد بعد النبي أهل الردة غير أبي بكر - رضي الله عنه - فكانت الآية دليلا على صحة إمامته . وقوله - عز وجل - : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } . { فَسَوْفَ } كقوله : { عَسَى } ، والعسى من الله واجب . أخبر - عز وجل - أنه يأتي بقوم يحبهم ؛ لبذلهم أنفسهم في مجاهدة [ أعداء الله ] ، وتركهم في الله لومة لائم ؛ فذلك لحبهم لله ؛ لأنه لا أحد يبذل نفسه للهلاك ، وترك لومة لائم - إلا لمن يحب الله ، وأحبهم الله : لما أثنى عليهم بقوله : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } ، وحبهم لله : لما بذلوا أنفسهم في مجاهدة أعدائه ، وتركهم لومة لائم . وفيه دلالة إثبات إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - لأنه - عز وجل - اثنى عليهم بخروجهم في سبيل الله ومجاهدة أعدائه ؛ فلو كان غاصباً ذلك على عليٍّ - رضي الله عنه - أو كان غير محق لذلك - لم يكن الله ليثني عليه بذلك ؛ لأنه كان آخذاً ما ليس له أخذه ومضيعاً حقا لغيره ، ومن كان هذا سبيله لم يكن يستوجب كل هذا الثناء في الله تعالى ؛ فهذا ينقض على الروافض قولهم وما روي : " مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ " وغيره من الأخبار ، وذلك في الوقت الذي طلب علي - رضي الله عنه - الخلافة وحارب عليها ؛ لأنه لا يحتمل أن يعلم أن له الخلافة في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - ويرى الحق لنفسه ، ثم يترك طلبها ؛ لأنه كان مضيعاً حق الله عليه ؛ فدل سكوته وترك طلبه على أن الحق ليس له ، ولكن كان لأبي بكر - رضي الله عنه - والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . أي : للمؤمنين ، أي : ذوو رحمة ورأفة للمؤمنين . { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . أي : شاقة شديدة على الكافرين ، وهو ما وصفهم ، عز وجل : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] الآية ، بذلك وصفهم عز وجل . وقوله : { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } اختلف فيه : قال بعضهم : ذلك الجهاد في سبيل الله ، أي : في طاعة الله { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } ، وقيل : ذلك الإسلام { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } . { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . قد ذكرنا هذا في غير موضع . قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية . قال بعض أهل التأويل : قوله - تعالى - : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هو صلة قوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ وكذلك قوله - تعالى - ] : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 57 ] هو صلة ما تقدم [ ذكره ] : نهى المؤمنين أن يتخذوا الذين أوتوا الكتاب ، والذين لم يؤتوا الكتاب أولياء في غير آي من القرآن ، وأخبر أن الله ورسوله هو ولي الذين آمنوا ، والمؤمنون - أيضاً - بعضهم أولياء بعض [ كما في ] قوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] ، فإذا كان الله - عز وجل - ورسوله والذين آمنوا أولياء لمن آمن - لم ينبغ أن يتخذوا الكفار أولياء . وذكر في بعض القصة أن عبد الله بن سلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل إسلامنا ، وحلفوا ألا يكلمونا ، ولا يخالطونا في شيء ، ومنازلنا فيهم ، وإنا لا نجد متحدثاً دون هذا المسجد ؛ فنزلت الآية - فقالوا : قد رضينا بالله وبرسوله والمؤمنين أولياء . ثم اختلف في نزوله : قال بعضهم : نزلت في شأن علي - رضي الله عنه - تصدق بخاتمه وهو في الركوع . ويقولون : " خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بمسكين ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً " ، قال : نعم [ يا رسول الله ] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ماذا ؟ " قال : خاتم فضة ؟ قال : " مَنْ أَعْطَاكَ ؟ " قال : ذلك الرجل القائم - يعني : عليا - قال النبي صلى الله عليه وسلم : " على أي حال أعطاكه ؟ " قال : أعطانيه وهو راكع ؛ فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له وأثنى عليه " فاحتج الروافض بهذه الآية على تفضيل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على أبي بكر وإثبات الخلافة له دون غيره . ويقولون : نزلت في شأنه - رضي الله عنه - لما روي عن أبي جعفر - رضي الله عنه - قال : " تصدق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بخاتمه وهو راكع ؛ فنزل : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } . فيقال لهم : هب أن الآية نزلت في شأنه ، وليس فيها دلالة إثبات الخلافة له في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - لأنا قد ذكرنا في الآية الأولى ما يدل على إثبات الإمامة له في الوقت الذي كان هو إماماً ، ونحن لا نجعل لعلي - كرم الله وجهه - الخلافة له في الوقت الذي لم ير لنفسه فيه الخلافة ؛ لأنه روي عنه أنه قال : " إن أبا بكر هو خير الناس بعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " أو كلام نحو هذا . وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَوْ وَلَّيْتُمْ أَبَا بَكْرٍ لَوَجَدْتُمُوهُ قَوِيّاً فِي دِينِهِ ، ضَعِيفاً فِي بَدَنِهِ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمْ عُمَرَ لَوَجَدْتُمُوهُ قَويّاً فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمْ عَلِيّاً لَوَجَدْتُمُوهُ هَادِياً مَهْدِيّاً مُرْشِداً " فنقول : نحن على ما كان من علي وسائر الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - من تسليم الأمور ، إلى أبي بكر ، وتفويضهم إليه من غير منازعة ظهرت من علي - كرم الله وجهه - في ذلك ؛ فلو كان الحق له في ذلك الوقت ، لظهرت منه المنازعة على ما ظهرت في الوقت الذي كان له . فقالوا : لأن عليّاً - رضي الله عنه - لم يكن له أنصار ، وفي الوقت الذي ظهرت المنازعة منه والطلب كان له أنصار . قيل : لا يحتمل أن يكون الحق له فيها ثم لا يطلب ؛ لما لم يكن له أنصار ؛ ألا ترى أن أبا بكر - رضي الله عنه - مع ضعفه في بدنه ، خرج وحده لحرب أهل الردة ، حتى لما رأوه خرج وحده حيئنذ تبعوه ؟ ! فأبو بكر لم يترك طلب الحق لعدم الأنصار ، مع ضعفه في بدنه ، فعلي - رضي الله عنه - مع شدته وقوته وفضل علمه بأمر الحرب ؛ حتى لم يبارز أحداً من الأعداء إلا غلبه وأهلكه ؛ فكيف توهمتم في ترك طلب الحق لفقد الأنصار له والأعوان في ذلك ؟ ! هذا لعمري لا يتوهم في أضعف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا أن يتوهم في علي - رضي الله عنه - فدل ترك طلب ذلك منه على أنه ترك ؛ لما رأى الحق له ، والله أعلم . واحتجوا بما روي عن [ رسول ] الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي : " أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، غَيْرَ أَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي " ، وهارون كان خليفة موسى ؛ فَلِمَ أنكرتم - أيضاً - أن عليّاً - رضي الله عنه - كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! قيل : لهذا جوابان : أحدهما : أن قوله : " أَنْتَ مِنْي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى " يحتمل أن يكون في الأخوة التي كان آخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في إثبات الأخوة إثبات الخلافة له . والثاني : أنه كانت له الخلافة في الوقت الذي كان هو ، وليس في الخبر جعل الخلافة له في الأوقات كلها وهكذا جواب ما روي عنه : " مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَليٌّ مَوْلاَهُ " والله أعلم . ثم إن كان الحديث الذي روي عن أبي جعفر - رضي الله عنه - صحيحاً ؛ ففي الآية معنيان : أحدهما : فضيلة علي - كرم الله وجهه - وقد كان كثير الفضائل ، مُسْتَكْمِلاً خصال الخير . والآخر : أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها ، وقد روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلع نعله في الصلاة ، وأنه مس لحيته ، وأنه أشار بيده ، وغير ذلك من العمل اليسير فعله في صلاته ؛ فيقاس كل عمل يسير على ما دل عليه الخبر على جواز الصلاة . وفيه وجه آخر : وهو أن الصدقة التطوع تسمى زكاة ؛ لأن صدقة علي - رضي الله عنه - بالخاتم لم تكن صدقة مفروضة ، بل كانت تطوعاً ؛ فسماها الله زكاة وإن كانت تطوعاً ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } [ الروم : 39 ] ، فسماها [ الله ] زكاة ، وإن كانت تطوعاً ؛ كما تسمى صلاة الفرض والتطوع : صلاة ، وصوم التطوع والفرض : صياماً ؛ فعلى ذلك هذا . وظاهر الآية في جملة المؤمنين ، [ و ] ليس علي - رضي الله عنه - أولى بها من غيره ، فإن كان فيه نزل ، فهو ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } . ظاهر هذا لو صرف إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كان أقرب ؛ لأنه كان هو الغالب على أهل الردة من أول ما وقع بينهم إلى آخره ، وعلي - رضي الله عنه - إنما صار الأمر له في آخره حين حارب الخوارج ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً … } إلى آخره . يحتمل النهي عن اتخاذ أولئك أولياء وجوهاً : يحتمل : النهي قبل أن يتخذوا ؛ لئلا يتخذوا . ويحتمل : النهي بعدما اتخذوا أولياء : لا في الدين ، ولكن في بعض المكاسب . ويحتمل : أن يكون النهي للمنافقين ألا يكونوا مع أولئك على المؤمنين ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . والحزب : هو العون والنصر في اللغة ؛ قال الكسائي : تقول العرب : فلان حزبي ، أي ناصري وعوني . وقوله : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } . يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم غاية سفههم بصنيعهم إذا نودي [ إلى الصلاة ] ؛ لأنه ذكر في القصة : أنهم إذا سمعوا المنادي يقول : " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ، قالوا : حرق الكاذب ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين من هذه الأديان أقل حظّاً في الدنيا والآخرة منهم ، يعنون : محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم - فدخل خادمهم ليلة من الليالي بنار وهو نائم ، فسقطت شرارة ؛ فحرقت البيت واحترق هو وأهله . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } . نفي عنهم العقل ؛ لما لم ينتفعوا بما عقلوا ؛ وإلا كانوا يعقلون ؛ وعلى ذلك يخرج قوله { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] ، لما لم ينتفعوا بما سمعوا به وعقلوا ، وكذلك قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ … } الآية [ البقرة : 18 ] : إنا نعلم أنهم كانوا يبصرون ويسمعون ؛ لكن نفي عنهم لما لم ينتفعوا بالبصر والسمع واللسان ؛ كمن ليس له ذلك في الأصل ، والله أعلم . ويحتمل وجها آخر : وهو أن شدة بغضهم وحسدهم [ لنبينا محمد ] صلى الله عليه وسلم تمنعهم عن فهم ما خوطبوا به ، وتحول بينهم وبين معرفة ذلك - فكانوا كمن ليس لهم ذلك رأساً .