Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-13)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } قال الحسن : قوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أراد آدم خاصة ؛ لأنه قال : { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } أخبر : أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد الخلق ، ولو كان المراد منه نحن ، [ لكان السجود بعد خلقنا ] وقد كان السجود قبل ذلك . وقال غيره : المراد منه البشر كله ؛ لأنه قال { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [ أخبر أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم ] ، ولو كان المراد آدم بقوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } خاصة ، لكان [ لابد أن ] يذكر آدم ثانياً ؛ فدل أنه أراد به ذريته . وقال بعضهم خلقناكم : [ أي ] آدم ، { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } في أرحامكم ، ويحتمل ما قال الحسن ، ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } أي : قدرناكم من ذلك الأصل وهو نفس آدم ؛ لأن الخلق [ هو التقدير ] ؛ كما تقول : أنا خلقته ، أي : قدرته ، يقول : - والله أعلم - { خَلَقْنَاكُمْ } : أى قدرناكم جميعاً من ذلك الأصل والكيان ، ومنه صورناكم ، { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } أي : وقد قلنا للملائكة { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وذلك جائز في اللغة . وقد يقول بعض أهل الكلام : إن النطفة هي إنسان بقوة ، ثم تصير إنساناً بفعل . ويقول بعضهم : هي كيان الإنسان ، فجائز أن يكون إضافته إلى ذلك الطين كما هو كيان وأصل لنا . وقوله : { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } قال الحسن : إبليس لم يكن من الملائكة ، وذلك أن الله - عز وجل - وصف الملائكة جملة بالطاعة له والخضوع بقوله : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] وقال : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] وغيره من الآيات ولم يكن من إبليس إلا كل سوء ، وقال أيضاً : خلق الملائكة من نور وإبليس من نار على ما ذكر ، والنار ليست من جوهر النور ؛ دل أنه ليس من الملائكة . وقال في قوله : { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } : مثل هذا يجوز أن يقال : دخل هذه الدار أهل البصرة إلا رجلاً من أهل الكوفة ، دل الاستثناء على أن دخل [ هنالك ] أهل الكوفة ؛ فعلى ذلك يدل استثناء إبليس على أن [ كان هناك ] أمر بالسجود لآدم لغير الملائكة أيضاً ، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك فائدة : أنه كان من الملائكة أو من غيره ، إنما علينا أن نعرف أنه عدوٌ لنا ، وقد ذكرنا هذا فيما سبق . وقوله عز وجل : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } قيل : قوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } أي : ما منعك أن تسجد على ما ذكر في آية أخرى و [ لا زائدة ] . وقوله عز وجل : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ … } بم علم عدو الله أن المخلوق من النار خير من المخلوق بالطين إلا أن يقال بأن النار جعلت لمصالح الأغذية ، فمن هنا وقع له ذلك أنها خير من الطين ، فيقال : إن النار وإن جعلت لصلاح الأغذية ؛ فالطين جعل لوجود الأغذية فالذي جعل لوجود الشيء هو أنفع وأكبر مما جعل لمصالحه ، ولعل الأغذية تصلح للأكل بغيرها بالشمس وغيرها . وبعد فإن الطين مما يقوم للنار ويطفئها ويتلفها ، والنار لا تقوم للطين ولا تتلفه ؛ فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يقع من هذا الوجه أنها أفضل وأخير من الطين . ثم اختلف في الجهة التي كفر عدو الله إبليس : قال بعضهم : إن إبليس عدو الله لم ير [ لله على نفسه ] طاعة بأمر السجود لآدم ؛ لذلك كفر . وقال آخرون : إنما كفر عدو الله لما لم ير الأمر بالخضوع والطاعة ممن فوقه لمن دونه حكمة ؛ فكفر لما لم ير أنه وضع الأمر بالسجود موضعه ، بل رآه لعنه الله واضعاً [ أمراً في ] غير موضعه . وقال غيرهم : كفر عدو الله بالاستكبار والتكبر على آدم لا لمعنى آخر . وقيل : أول من أخطأ في القياس وزلّ فيه إبليس لعنه الله . وقوله عز وجل : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } اختلف فيه : قال بعضهم : قوله : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } ، يعني من السماء ؛ لأنه لعنه الله كان في السماء ، فأمر بالهبوط منها ؛ لما جعل السماء معدناً ومكاناً للخاضعين والمتواضعين ، فأمر بالهبوط منها إلى مكان جعل ذلك المكان مكان الخاضعين والمتكبرين جميعاً وهي الأرض ، والأرض معدن الفريقين جميعاً . وقال بعضهم : الأمر بالهبوط منها أمر بالخروج من الأرض إلى جزائر البحور ؛ لأن الأرض هي قرار أهلها وجزائر البحور ليست مكان قرار لأحد ؛ ليكون فيها على الخوف أبداً ؛ ألا ترى أنه قال : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [ الأنبياء : 31 ] والبحار مما [ تميد ] بأهلها . وأمكن أن يكون الأمر بالهبوط منها أمراً بالخروج من الصورة التي كان فيها إلى صورة أخرى لا يعرف أبداً ولا يرى عقوبة له لتركه أمر الله وارتكابه نهيه { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } في تلك الصورة أو في تلك الأرض ؛ حتى لا يقر أبداً ، ويكون على خوف أبداً . ويحتمل في السماء ؛ لما ذكرنا . وقوله عز وجل : { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } وجه صغاره : أنه ما من أحد ذكره إلا وقد لعنه ، ودعا عليه باللعن ، فذلك صغاره ، وأمكن أن يكون صغاره ؛ لما صيره بحال يغيب عن الأبصار ، ولا يقع عليه البصر ، أو لما طرده عن رحمة الله .