Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-44)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } ، فالمتقون : هم الذين اتقوا عذاب الله ، قال الله تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ، وقال في آية أخرى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] وقال : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] ، فهذا هو التقوى . ثم [ إن ] أهل التوحيد أقروا بالعذاب ، فاجتهدوا في اتقائه ، فقيل لهم : انطلقوا إلى ظلال وعيون ؛ وأهل النار كانوا مكذبين بالعذاب ، فقيل لهم : { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ المرسلات : 29 ] من العذاب . ثم أخبرنا بالوجه الذي يقع به الاتقاء فقال : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } [ فاطر : 6 ] ، وأمرنا بالانتصاب لمحاربته ، ثم علمنا وجه المحاربة بقوله : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ فصلت : 36 ] ، وقال : - تعالى - : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } [ المؤمنون : 97 ] ، وقال : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] ، فألزمنا الفزع إليه ، وبين أنا لا نقوى على محاربته إلا بالابتهال إليه والفزع . ثم يحتمل أن يكون الاتقاء هاهنا منصرفا إلى التصديق خاصة ؛ لأنه ذكر الاتقاء هاهنا مقابل التكذيب في الأولين . وجائز أن يكون منصرفا إلى المصدقين بالأقوال ، والموفين بالأعمال ؛ فالمتقي : هو الذي اتقى إساءة صحبة نعم الله تعالى فوقاه الله - تعالى - شر يوم القيامة ، مجازاة له ، والمحسن : هو الذي أحسن صحبة نعمه ، فأحسن الله منقلبه ، وأحله بدار كرامته ، في ظلال وعيون وفواكه . أو المتقي : هو الذي وقى نفسه عن المهالك ، فوقاه الله تعالى يوم القيامة ، والمحسن : هو الذي أحسن إلى نفسه ، وهو الذي استعملها في طاعة الله تعالى ؛ فأحسن الله إليه بما أنعم عليه من الظلال والعيون . ثم أخبر أنهم في ظلال ؛ لأن الظلال مما ترغب إليه الأنفس في الدنيا ؛ لأنها تدفع عنهم أذى الحر والبرد وأذى المطر والرياح ، وغير ذلك ، وظلال الأشجار والحيطان تدفع أذى الحر ، وظلال البنيان تدفع أذى الحر والبرد والمطر ، وهي لا تحول - أيضا - بين المرء والأشياء ، عن أن يدرك حقائقها ؛ فعظمت النعمة في الظلال ، ووقعت إليها الرغبة في الدنيا ؛ فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } ، وقال تعالى : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } [ الواقعة : 30 - 31 ] ، ثم الأنفس إذا أوت أوت إلى الظلال ، اشتهت ما تتمتع به الأبصار ، وأعظم ما تتلذذ به الأبصار أن يكن نظرها إلى المياه الجارية ؛ فأخبر أنهم في ظلال وعيون . وقوله - عز وجل - : { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } ، أي : فواكه أيضا ؛ فأخبر أن لهم فيها ما تتلذذ به الأبصار ، وتتمتع به ، وفيها ما تشتهي أنفسهم ، وفيها ما يدفع عن أنفسهم الأذى . وقوله - عز وجل - : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً } لا تبعة عليكم من جهة السؤال ، ولا تنغيص ؛ أي : لا يؤذيهم ما يأكلون ويشربون ، فالهنيء الذي لا تبعة على صاحبه ، ولا تنغيص فيه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ، فسمي المتقي : محسنا ؛ لأنه بدأ بذكر المتقين ، وذكر ما أعد لهم ، ثم أخبر أنهم جوزوا بإحسانهم ؛ فيكون فيه دلالة على أن الاتقاء متى ذكر على الانفراد يقتضي إتيان المحاسن والاتقاء عن المهالك .