Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 32-35)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … } الآية . ذكر نهاية سفههم ، وغاية جرأتهم على الله ، وبغضهم الحق ، مع علمهم أن الله هو الإله ، وأنه قادر على إنزال العذاب ، وله السلطان على إمطار الحجارة بقولهم : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، فلم يبالوا هلاك أنفسهم ؛ لشدة سفههم ، وجرأتهم على الله ، وبغضهم الحق ، وذكر هذا - والله أعلم - ليعلم الناس ما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء هؤلاء السفهاء إلى دين الله الذين لم يبالوا هلاك أنفسهم ؛ لشدة بغضهم الحق ، وجرأتهم على الله ، وما يتحمل منهم من العظيم . وقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } . يحتمل قوله : { وَأَنتَ فِيهِمْ } أي : في جملة المؤمنين أنه لا يعذب أحداً في الدنيا ما دام هو فيهم ، وما دام مؤمن فيهم بقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي : يؤمنون ، وهو كما ذكر أنه أرسله رحمة بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ، ومن رحمته ألا يعذب أحداً من أمته في الدنيا ، إنما يؤخر ذلك إلى يوم التناد بقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ … } [ إبراهيم : 42 ] وقوله : { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } [ القمر : 46 ] . ويحتمل أن يكون قوله : { وَأَنتَ فِيهِمْ } : في أهل مكة خاصة أنه لا يعذبهم ما دام هو فيهم ، وما دام فيهم أحد من المسلمين ؛ من نحو النساء والذراري ؛ كقوله : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } الآية [ الفتح : 25 ] ، أي : لا نعذبهم وأنت يا محمد فيهم ، أي : بين أظهرهم حتى نخرجك من بينهم ، { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي : يصلون . وقيل : يؤمنون ؛ وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - ولكن يعذبهم تعذيب القتال والجهاد ، ولا يعذبهم تعذيب استئصال على ما أهلك سائر الأمم . ثم إن المعتزلة تعلقت بظاهر قوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي سيؤمنون ؛ أي : لا يعذبهم ما دام يعلم أن فيهم أحداً يؤمن في آخر عمره ، أو من قولهم ألا يجوز لله أن يهلك أحداً إذا كان في علمه أنه سيؤمن في آخر عمره ؛ لقولهم في الأصلح : إن الله لا يفعل بخلقه إلا ما هو أصلح لهم في الدين ؛ فعلى ذلك تأولوا ظاهر هذه الآية أنه لا يعذبهم وهم يستغفرون ، أي : سيؤمنون . لكن لو كان كما قالوا ، لكان لا يجوز الجهاد معهم أبداً ، ويسقط الأمر بالقتال ؛ إذ لعل فيهم من يسلم ، فإذا أمره بالجهاد والقتال معهم ، دل أن ذلك ليس ما توهموا ، والله أعلم . وقال بعضهم في قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } : أي : وهم يدخلون في الإسلام . وقيل : يسلمون . وقال بعضهم : { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } : بقية من بقي في مكة من المسلمين ، فلما خرجوا منها قال : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ … } الآية . وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : فيكم أمانان : أحدهما : رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لقول الله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } . والآخر : الاستغفار ؛ لقول الله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال : فذهب أمان ، وهو رسول الله ، وبقي أمان ، وهو الاستغفار . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين ؛ لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم ؛ فأمان قبضه الله إليه ، وأمان بقي فيكم ، وهو الاستغفار الذي ذكر . وروي عن عبد الله بن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ساجداً في آخر سجوده في صلاة الآيات ، فقال : " أف ! أف ! " ، فقال : " رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم ؟ رب ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون " " . وعن بعضهم : أمانان أنزلهما الله ؛ أما أحدهما : فمضى ، وهو نبي الله ، وأمّا الآخر : فأبقاه الله - تعالى - بين أظهركم ، وهو الاستغفار والتوبة . وفي إثبات قول السفهاء ودعائهم بإمطار الحجارة عليهم ، وجعل ذلك كتاباً يتلى عليهم في الصلوات - أوجه ثلاثة من الحكمة : أحدها : تعريف لهذه الأمة المعاملة مع السفهاء عند ارتكاب المناكير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أنهم إذا تمادوا في غيهم واستقبلوه بالمكروه والأذى ألا يترك الأمر لهم بالمعروف ، ولا يؤيس من خيرهم اقتداء بالنبي أنه لم يترك دعاءهم ، وأمرهم بالمعروف مع شدة سفههم وتمردهم . والثاني : ليعلم الخلق أن حجة الله تلزم العباد وإن كانوا قد جهلوه ، إذا كان التضييع جاء من قبلهم في ترك النظر والتفكر ؛ إذ لو علموا حقيقة العلم أنه الحق ، لم يكونوا ليدعوا على أنفسهم بالهلاك . والثالث : يكون فيه بيان . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . أي : ما لهم من عذر في صرف العذاب عن أنفسهم ؛ إذ قد كان منهم من أنواع ما كان لو كان واحد من ذلك لكانوا يستوجبون العذاب ؛ من تكذيبهم الرسول والآيات التي أرسلها إليهم ، وصدهم الناس عن المسجد الحرام ، وهو مكان العبادة ، وسؤالهم بقولهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، أي : ليس لهم عذر في صرف العذاب عن أنفسهم ، والاحتجاج على الله أنه لم يرسل رسولاً بقولهم : { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً … } الآية [ طه : 134 ] ؛ بل أرسل إليهم الرسول ، فكذبوه ، وبعث إليهم الآيات فكذبوها ، وصدّوا الناس عن المسجد الحرام ، فلا عذر لهم في وجه من الوجوه أن يصرف العذاب [ عنهم ] ، إلا أن الله بفضله ورحمته يصرف العذاب عنهم ببركة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفار المؤمنين ، وإلا قد كان منهم جميع أسباب العذاب التي يستوجبونه بها . وقوله : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . أي : عن الصلاة فيه . ويحتمل أن يكونوا صدّوا الناس عن رسول الله ، لكنه ذكر المسجد لما كان رسول الله فيه ؛ لئلا يروا رسول الله فيتبعوه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ } . أي : لم يكونوا أولياء ليصرفوا العذاب عن أنفسهم بالولاية ، وهو صلة قوله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، وهم ليسوا بأوليائه . ويحتمل قوله : { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ } : أنهم كانوا يصدون الناس عن المسجد الحرام ؛ لما ادعوا أنهم أولياؤه ، وأنهم أولى بالمسجد الحرام [ منهم ] ، أخبر أنهم ليسوا أولياءه ، إنما أولياؤه المتقون الذين اتقوا ما أتوا هم ، أو أولياؤه الموحدون ، لا الذين أشركوا غيره في عبادته وألوهيته . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } . قال بعضهم : [ كان أحسن حالهم التي هم عليها هي حال الصلاة ] ، فإذا كان صلاتهم مكاء وتصدية فكيف حالهم في غير الصلاة ؟ ! وقال بعضهم : قوله : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } وذلك أن النبي - عليه السلام - وأصحابه إذا صلوا في المسجد الحرام ، قام طائفة من المشركين عن يمين النبي وأصحابه ، فيصفرون كما يصفر المكاء ، وطائفة تقوم عن يسارهم فيصفقون بأيديهم ؛ ليخلطوا على النبي وأصحابه صلاتهم ، فنزل قوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } . ثم اختلف في المكاء والتصدية ؛ قال بعضهم : المكاء : هو مثل نفخ البوق ، والتصدية : هي طوافهم على الشمال . وقال القتبي : المكاء : الصفير ؛ يقال : مكا يمكو ، وهو مثل ما قيل للطائر : مكاء ؛ لأنه يمكو ، أي : يصفر ، يعني : يصوت ، والتصدية : هي التصفيق ؛ يقال : صدى : إذا صفق بيديه . وقال أبو عوسجة : المكاء : شبه الصفير ، والتصدية : ضرب باليدين ، وهو من الصدى ؛ من الصوت . وقيل : المكاء : صفير كان أهل الجاهلية يلعبون به ، والتصدية : الصدّ عن سبيل الله ودينه . وقوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } . قال بعض أهل التأويل : ذوقوا العذاب يوم بدر ، وهو الهزيمة والقتل الذي كان عليهم يوم بدر . ويحتمل قوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } : في الآخرة ؛ بكفرهم في الدنيا .