Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 38-40)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } . ذكر - عز وجل - غاية كرمه وجوده بما وعدهم من المغفرة والتجاوز عمّا كان منهم من الإشراك في ألوهيته ، وصرف العبادة إلى غيره ، وصدّ الناس عن عبادته وطاعته ، ونصب الحروب التي نصبوا بينهم وبين المؤمنين ، وغير ذلك من أنواع الهلاك ، فمع ما كان منهم وعدهم المغفرة بالانتهاء عن ذلك ؛ ليعلم غاية كرمه وجوده . والمغفرة تحتمل التجاوز [ أي يتجاوز ] عنهم ؛ ما كان منهم لا يؤاخذهم بذلك . ويحتمل : يستر عليهم معاصيهم التي كانت منهم ، ولا يذكرون ذلك ؛ لأنهم لو ذكروا ذلك تنغص عليهم النعم . وفيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر أنهم إن انتهوا وتابوا غفر لهم ما قد كان منهم ، وإنما كانوا منتهين بالإيمان ، ولم يجعل بين الإيمان والكفر منزلة ثالثة ، وهم يجعلون بينهما منزلة ثالثة ، ويقولون : إذا ارتكب كبيرة خرج من الإيمان ، ويخلد في النار أبداً ، ولم يكن داخلاً في الكفر . وفيه دليل نقض قول من يقول بأن على الكافر فعل العبادات ؛ من نحو الصلاة ، والزكاة والصيام ؛ لأنه ذكر الانتهاء ، والانتهاء عما كان من ترك العبادات القيام بقضائها ، وإذا ما تركوا ، فلما لم يجب عليهم أداء شيء من ذلك ، دل أنه لم يكن عليهم في حال كفرهم فعل تلك العبادات ، إنما عليهم اعتقاد تلك العبادات ؛ إذ لو كانت عليهم لكان الانتهاء بقضاء ذلك ؛ كقوله - عليه السلام - : " من نام عن صلاة أو نسيها ، فعليه أن يصليها إذا ذكرها أو إذا استيقظ ، وذلك كفارته " ؛ وكذلك قوله - تعالى - : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] ، ليس على الفعل ، ولكن في حق الاعتقاد أنه لا سبيل إلى القيام بفعل ما ذكر إلا بعد حول ووقت طويل . وفي هذه الآية دلالة على أن ليس بين الشرك والإيمان منزلة ثالثة ؛ على ما يقوله المعتزلة في صاحب الكبيرة ؛ لأنه لو كان بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ، لكانوا إذا انتهوا عن الكفر ولم ينتهوا عن تلك المنزلة لا يغفر لهم ؛ على قولهم ؛ فدل ما ذكر من المغفرة على أن ليس بينهما منزلة ، ولكن إذا انتهوا عن الكفر دخلوا في الإيمان . وقوله - عز وجل - : { وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } . قال بعضهم : { وَإِنْ يَعُودُواْ } إلى الكفر وقتال محمد بعد ما انتهوا عنه ، { فَقَدْ مَضَتْ … } ، يعني : القتال . ويحتمل أن يكون قوله : { يَعُودُواْ } أي : ما داموا فيه ، لا أن كانوا خرجوا منه ؛ نحو قوله - تعالى - : { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] كانوا فيه ، لا أن كانوا خرجوا منه ثم دخلوا في غير ذلك . ثم يحتمل وجهين بعد هذا : أحدهما : أن للكفر حكم التجدد في كل وقت . والثاني : ما ذكرنا أن ذكر العود فيه لدوامهم فيه وإن لم يخرجوا منه ، وذلك جائز في اللسان ؛ كقوله : { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ابتداء إخراج من غير أن كانوا فيه ، وكقوله : { رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } [ الرعد : 2 ] ابتداء رفع ، لا أن كانت موضوعة فرفعها من بعد ؛ فعلى ذلك قوله : { وَإِنْ يَعُودُواْ } يحتمل : أي : داموا فيه . وقوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } . مضت ، يحتمل ما ذكرنا من القتال . والثاني : سنة الأولين : الهلاك الذي كان . وقوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } . قيل : الفتنة : الشرك ، أي : قاتلوهم حتى لا يكون الشرك ، { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } . ويحتمل قوله : { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي : محنة القتال ؛ كأنه قال : قاتلوهم إلى الوقت الذي ترتفع فيه المحنة ، وهو يوم القيامة . وفيه دلالة لزوم الجهاد إلى يوم الدين ، والفتنة : هي المحنة التي فيها الشدة ، { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } . وقوله - عز وجل - : { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } . يخرج على وجهين : أحدهما : ويكون من الدين الذي هو الدين كله لله ، لا نصيب لأحد فيه ، وهو السبيل التي كانت للشيطان ؛ كأنه قال : وتكون الأديان التي يدان بها ديناً واحداً ، وهو دين الله الذي يُدعى الخلق إليه ، وبذلك بعث الرسل والكتب ، والله أعلم . والثاني : يحتمل أن يكون الحكم كله لله ؛ كقوله : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } [ يوسف : 76 ] ، أي : في حكم الملك . وقوله - عز وجل - : { فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . وقوله : { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } . قيل : ناصركم . وقيل : المولى : المليك . { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } . أي : نعم الناصر والمعين ، { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } ؛ لأنه لا يعجزه شيء . وقيل : { مَوْلاَكُمْ } ، أي : أولى بكم .