Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-47)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ } . قيل : الفئة : اسم جماعة ينحاز إليها ، وهو من الفيء والرجوع ، يفيئون إليها ويرجعون . ذكر - هاهنا - الفئة ، [ وذكر في الآية التي تقدمت الزحف ، وهو قوله : { إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } مكان الفئة ] ، ونهى أولئك عن تولية الأدبار بقوله : { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } ، وقال هاهنا : { فَٱثْبُتُواْ } ؛ ليعلم أن في النهي عن تولية الأدبار أمر بالثبات ، وفي الأمر بالثبات نهي عن تولية الأدبار ، فيكون في النهي عن الشيء أمر بضده ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } . قال أبو بكر الكيساني : قوله : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } : فيما تعبدكم من طاعته ، ووعدكم من نصره ، ولا تنظروا إلى الكثرة فتظفروا . ويحتمل قوله : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } فيما لكم من أنفسكم وأموالكم ، أي : إن أنفسكم وأموالكم له ، إن شاء أخذها منكم بوجه تتقربون به إلى الله ، فاذكروا الله على ذلك ، وهو ما ذكر في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ … } [ التوبة : 111 ] الآية . ويحتمل : اذكروا الله كثيراً في النعم التي أنعمها عليكم . أو يقول : اذكروا المقام بين يدي رب العالمين ، وذلك بالذي يمنعكم من المعاصي والخلاف لأمره ، وبعض ما يرغبكم في طاعته ؛ فيكون على هذا التأويل الأمر بذكر الأحوال . ويحتمل الأمر بذكر الله باللسان ، وذلك بعض ما يستعان به في أمر الحرب { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ لكي تفلحوا ] بالنصر والظفر ، أو { تُفْلَحُونَ } أي : تظفرون . وقوله - عز وجل - : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } . أطيعوا الله فيما يأمركم بالجهاد والثبات مع العدو ، ورسوله فيما يأمركم بالمقام في المكان ، والثبات ، وترك الاختلاف والتنازع في الحرب ، وذلك بعض ما يستعان به في الحرب . { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } . أي : لا تنازعوا رسوله فيما يأمركم في أمر الحرب وعما ينهاكم ؛ كقوله : { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } ؛ لأنكم إذا تنازعتم اختلفتم وتفرقتم ، فإذا تفرقتم فشلتم وجبنتم ؛ فلا تنصرون ولا تظفرون على عدوكم ؛ بل يظفر بكم [ عدوكم ] . أو أن يقال : لا تنازعوا ؛ لأنكم إذا تنازعتم تباغضتم ، فيفشلكم التباغض بأنفسكم ، في الجهاد مع العدو ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } . قال بعضهم : [ يذهب ] نصركم وظفركم . وقال بعضهم : تذهب ريح دولتكم . ويحتمل : [ { رِيحُكُمْ } ] الريح التي بها تنصرون ، وعلى ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " ، وهو ما ذكرنا : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [ الأحزاب : 9 ] . وقوله : { وَٱصْبِرُوۤاْ } . أي : اصبروا للجهاد ولقتال عدوكم . { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } . بالنصر والظفر . وفي هذه الآية تأديب من الله للمؤمنين ، وتعليم منه لهم فيما ذكرنا ، أي : في أمر الحرب وأسباب القتال والمجاهدة مع العدو ؛ لأنه أمرهم بالثبات ، وأمرهم بذكر الله ، ونهاهم عن التنازع والاختلاف ، وذلك بعض ما يستعان به في الانتصار على عدوهم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } . قوله : { بَطَراً } ، أي : كفراً بنعم الله ؛ كقوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً … } [ النحل : 112 ] الآية ؛ فعلى ذلك خرجوا من ديارهم كفراً بأنعم الله ؛ لأنهم خرجوا إلى قتال محمد ، وهو من أعظم نعم [ الله على خلقه وهم كفروا تلك النعم حيث خرجوا لقتاله . وكذلك قالوا في قوله : { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [ القصص : 58 ] أي : كفرت . وقوله { بَطَراً } ] كفراناً وتكبراً ، أي : خرجوا متكبرين كافرين . { وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } يحتمل ومراءاتهم وجهين : أحدهما : ومراءاتهم في الدين ؛ لأنهم قالوا : اللهم انصر أهدانا سبيلاً ، وأوصلنا رحماً ، وأقرانا ضيفاً عندهم أنهم على حق ، وأن المؤمنين على باطل . ويحتمل : ومراءاتهم في أمر الدنيا ؛ لأنهم كانوا أهل ثروة ومال ، وأهل عدة وقوة ، خرجوا مرائين للناس . وقوله : { وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } لأنهم كانوا أهل الشرف عندهم ، فخرجوا لمراءاة الناس . { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . أي : يصدون الناس عن دين الله ؛ أخبر - عز وجل - عن خروج أولئك الكفرة أنهم خرجوا لما ذكر ، فكان فيه أمر للمؤمنين بالخروج على ضد ذلك ؛ كأنه قال : اخرجوا على ضدّ ما خرجوا هم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } . أي : علمه محيط بهم ، لا يغيب عنه شيء من مكائدهم وحيلهم والمكر برسول الله في الدفع عنه والنصر له . والثاني : محيط بما يعملون ، يجزيهم ويكافئهم ، ولا يفوت عنه شيء ؛ على الوعيد ، والله أعلم .