Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 72-75)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . قوله : { آمَنُواْ } ، أي : صدقوا آيات الله وحججه ، أو صدقوا رسوله في جميع ما جاء به ؛ كأنه مقابل قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ } ، ذكر - هاهنا - التصديق مكان التكذيب في ذلك . وقوله : { وَجَاهَدُواْ } : في إظهار دين الله ونصره . { بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } أي : بذلوا ذلك . { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ } أي : ضموا النبي . { وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } قال ابن عباس وعامة أهل التأويل : الولاية التي ذكرت في الآية في التوارث ، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام الذين آمنوا ولم يهاجروا إلى المدينة ، وكذلك قالوا في قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } يعني : الميراث . وروي عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة " [ والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ] . وعن جرير بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قال ] : … كذلك روي . وعن المسعودي عن القاسم قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، فآخى بين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام أخوة يتوارثون بها ؛ لأنهم هاجروا وتركوا قراباتهم ، حتى أنزل الله آية المواريث . وعن ابن عباس في قوله : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [ النساء : 33 ] قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرثون الأنصار دون رحمهم بالأخوة التي آخى النبي بينهم ، فلما نزل قوله : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ النساء : 33 ] ، نسخها : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [ النساء : 33 ] من النصر ، والنصيحة ، والرفادة ، ويوصي له ولا ميراث . وعن الحسن في قوله - تعالى - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } فكان المسلمون يتوارثون بالهجرة ، فكان الأعرابي لا يرثه المهاجر ، والمهاجر لا يرثه الأعرابي ، فحرضهم بذلك على الهجرة ، حتى كثر المسلمون ، فأنزل الله - تعالى - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ … } الآية ، فورث الأعرابي المهاجر وتوارثوا بالأرحام . إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل ، وكانوا يرون أن الهجرة كانت مفترضة ، فزال فرضها بقول النبي - عليه السلام - : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية " . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " انقطعت الهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، فإنما كانت الهجرة إلى الله ورسوله ، والمؤمنون يفرون بدينهم من أن يفيئوا عنه ، وقد أفشى الله الإسلام " . هذا الذي ذهب هؤلاء في قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } في التوارث [ محتمل ] . ويحتمل غير هذا ، وهو أن قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ . … } إلى قوله : { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ أي : بعضهم أولياء بعض ] في تمام الولاية ، في التناصر ، والتعاون ، والحقوق ، والديانة ، فهم أولى بعضهم ببعض من الذين آمنوا ولم يهاجروا ؛ لأنهم آمنوا وهاجروا ، أي : تركوا منازلهم وأهلهم وقراباتهم وبلدهم الذي كانوا فيه مقيمين ؛ إشفاقاً على دينهم ، واستسلاماً لهم ولأنفسهم ، والأنصار آووهم ، وأنزلوهم في منازلهم ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، وتحملوا جميع مؤنتهم من غير أن كان سبق منهم إليهم شيء ، فصاروا لهم أعواناً وأنصاراً ، فصار بعضهم أولياء بعض في تمام ما ذكرنا من الولاية : [ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } ، أي : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم } ، أي : من تمام ما ذكرنا من ولاية الدين ] ، وليس لهم ولاية التناصر ، والتعاون ، والحقوق ، والمنافع التي تكتسب بالدين . وفي قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه جل وعلا أبقى [ في المهاجرين ] الذين لم يهاجروا اسم الإيمان ، وكانت الهجرة عليهم مفروضة ، وهم في تركهم الهجرة مرتكبين كبيرة ، فدل أن صاحب الكبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان . وقوله - عز وجل - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } . أي : أولوا الأرحام إذا آمنوا وهاجروا بعضهم إولى ببعض من غيرهم ؛ لأنهم إذا آمنوا وهاجروا ولهم قرابة سابقة ورحم متقدم ، كانوا هم أولى من غيرهم الذين لا قرابة بينهم ولا رحم ؛ إذ اجتمع فيهم الرحم ، والمعونة ، والنصر ، والديانة ، والحقوق ، اجتمع فيهم أشياء أربعة ، وفي أولئك ثلاثة ، فهم أولى بهم من غيرهم ؛ هذا على التأويل الذي ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } . يعني : الذين لم يهاجروا ؛ يحتمل وجهين : الأول : يحتمل : إذا طلبوا منكم المعونة والنصرة على عدوهم ، فعليكم النصر والمعونة لهم ، إذا لم يكن بينكم وبين أولئك ميثاق . والثاني : إذا علمتم أنهم يخشون على أنفسهم من عدوهم ويخافونه فانصروهم { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } أي : إذا استنصروكم في الدين على قوم بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم ، أي : وليس عليكم أن تنصروهم ، تأويله : حتى تنبذوا إليهم العهد ؛ يقول : إذا استنصركم يا معشر المهاجرين - إخوانكم المؤمنين الذين لم يهاجروا إليكم فأتاهم عدوهم من المشركين فقاتلوهم ليردوهم عن الإسلام - فانصروهم ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } ؛ يقول : إن استنصروكم الذين لم يهاجروا إلى المدينة على أهل عهدكم ، فلا تنصروهم . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } : في المعونة ، والنصرة ، ونحوه . وقوله - عز وجل - : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } . قرئ بالخفض : { وَلاَيَتِهِم } ، وبالنصب جميعاً : { وَلاَيَتِهِم } أعني : بنصب الواو وخفضها ، وكذلك التي في الكهف : { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ … } الآية [ الكهف : 44 ] بالخفض والنصب جميعاً . ثم قال بعض أهل الأدب : الولاية - بفتح الواو - : النصرة والمعونة ، والولاية - بخفض الواو - : السلطان ، أي : السلطان لله . وقال بعضهم : الولاية - بالخفض - : المعونة والنصرة ، والولاية : السلطان . وقال آخرون : هما سواء ، وهو النصرة والمعونة ، والولاية في الإمارة والسلطان ، والولاية في الدين . وقوله - عز وجل - { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } . على قول ابن عباس وعامة أهل التأويل : بعضهم أولياء بعض في التوارث ؛ على ما قالوا في المهاجرين والأنصار بعضهم أولياء بعض . ويحتمل ما ذكرنا أن بعضهم أولياء بعض في التناصر ، والتعاون ، والدين ، والحقوق جميعاً ؛ على ما ذكرنا في المؤمنين . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } . قيل : فيه بوجوه : أحدها : أن إخوانكم الذين لم يهاجروا إذا استنصروكم على عدوهم فلم تنصروهم ، تكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، أي : إن لم تكونوا بعضكم أعواناً وأنصاراً لبعض ، على ما كان أهل الكفر بعضهم أنصاراً لبعض غِلبكم العدو وقهركم ، فيكون في ذلك فتنة وفساد ، ويكون كقوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } [ البقرة : 193 ] . وقال بعضهم : قوله : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ } ملحق بقوله : { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } ، أي : إذا استنصركم إخوانكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق فنصرتموهم ، تكن فتنة وفساد كبير . وقال بعضهم : قوله : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } فيما أمركم به من جعل التوارث فيما بين المؤمنين ، وجعلتم الميراث والتوارث فيما بينكم وبين الكفار { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } ؛ لأن الله - عز وجل - ذكر المواريث ، ثم ذكر في آخر الآية : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ النساء : 13 ] ، وما ذكر من ترك حدود الله ، وطاعة رسوله ، وجعل الميراث في غير ما أمر - عز وجل - { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } . أي : ضموا رسول الله والمهاجرين ونصروهم . { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } . أي : المهاجرون والأنصار الذين ضموا { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ؛ لما حققوا إيمانهم بأعمالهم ؛ لأنهم هاجروا من بلادهم وأهلهم وأموالهم ؛ إشفاقاً على دينهم ، واستسلاماً له ، وأجابوا رسول الله وأطاعوه في ذلك ، وأولئك الأنصار ضموهم إلى أنفسهم وأنزلوهم في منازلهم ، وبذلوا لهم أنفسهم وأموالهم ، ونصروهم على عدوهم ، فقد حققوا جميعاً إيمانهم بأعمالهم التي عملوا . ويحتمل قوله : { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي : صدقاً في السر والعلانية ، ليس كإيمان المنافقين يكون في العلانية ولا يكون في السر ؛ كقوله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ … } الآية [ العنكبوت : 3 ] ، وقال : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ … } الآية [ العنكبوت : 11 ] . [ ويحتمل قوله : { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، أي : وعدهم وعداً حقّاً ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ] . ويحتمل : { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، أي : أولئك المؤمنون الذين حققوا الإيمان به . وقوله : { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } . أي : حسن يكرم أهله به . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } . أي : من آمن بعد هؤلاء وهاجروا بعد مهاجرة أولئك ، فإنهم يلحقون أوائلهم في جميع ما ذكر في أولئك الذين هاجروا من قبل ؛ يذكر هذا - والله أعلم - لنعمل نحن على ما عمل أولئك من الهجرة ، والنصرة ، وبذل الأنفس والأموال ، وغير ذلك للدين ، على ما بذل أولئك وأشفقوا على دينهم . وقوله - عز وجل - : { فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } . وهو ما ذكرنا أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض بالتركة والتوارث من جملة المؤمنين ، فإذا لم يكن أولو الأرحام فجملة المؤمنين أولى ؛ على ذلك يخرج قول أصحابنا : إن أولي الأرحام بالميراث أولى من جملة المؤمنين ، وهو بيت المال ، فما دام واحد من هؤلاء فهو أولى بالميراث ، وعلى ذلك يخرج قولهم في العقل : إنه على ذوي الأرحام ما داموا هم ، فإذا لم يكن أحد منهم فهو على جملة المؤمنين في بيت المال . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بالعباد وما يكون منهم ، { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بما يحتاجون وما لا يحتاجون ، وهو حرف وعيد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } . أي : بعضهم أولى ببعض في حق التوارث من المؤمنين الذين هاجروا ، فنسخت هذه الآية حكم الميراث الذي ذكر في قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } ؛ لأنه كان جعل التوارث بينهم بحق الإيمان والهجرة ، ثم نسخ ذلك وجعل الميراث بالرحم ؛ حيث قال : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } ؛ وكذلك ما ذكر في سورة الأحزاب حيث قال : { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } [ الأحزاب : 6 ] ، فإذا لم يبق من الرحم أحد فبعد ذلك يكون جملة المؤمنين . وقوله - عز وجل - : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } . في حكم الله ، أو { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } ؛ لأنه ذكر في كتاب الله . ثم لزوم الهجرة على الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الذين تأخرت هجرتهم سواء ، قد سوى بينهم في اللزوم ، وجمع بين المهاجرين والأنصار في حق الشهادة لهم بالتصديق والإيمان ؛ حيث قال : { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، وجمع بينهم في حق الولاية وما يكتسب بها من المنافع ؛ حيث قال : { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } ، وجمع بينهم في الثواب والدرجة ؛ حيث قال : { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ، وجمع بينهم في هذه الخصال وإن قدم ذكر المهاجرين في غير واحدة من الآيات ؛ لما كانوا مستوين في الأسباب التي استوجبوا ذلك ؛ لأن من المهاجرين من ترك الأوطان والمنازل ، والخروج منها والمفارقة عن أهليهم وأموالهم ، وكان من الأنصار مقابل ذلك : إنزالهم في منازلهم وأوطانهم ، وبذل أموالهم ، وقيام أهليهم في خدمتهم ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله تعالى أعلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .