Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } . المخاطب في هذه السورة من الله - تعالى - [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] خاطبه إياه ؛ حيث قال : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } إلى ما ذكر . والمخاطبة في سورة الضحى إنما كانت من غير الله - تعالى - إياه ، كان جبريل - عليه السلام - خاطبه في ذكر منن الله تعالى إياه ، وذكر نعمه ألا ترى أنه قال : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } [ الضحى : 3 ] ، ولم يقل : ما ودعناك . [ ويجوز أن يكون الخطاب في سورة { وَٱلضُّحَىٰ } من الله على المغايبة ؛ [ كما ] يقال : إن أمير المؤمنين يقول كذا ، ويريد نفسه ] . ثم اختلف في قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } : قال بعضهم : شرح صدره للإسلام ؛ كقوله : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] . أخبر أن من شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه . والشرح ، قيل : هو التليين ، والتوسيع ، والفتح ، أي : ألم نوسع لك صدرك ونفتح ونلين للإسلام . وقد روي في الخبر " أنه لما نزل هذا ، قيل : يا رسول الله ، [ وهل لذلك من علامة ؟ ] فقال : " بلى ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله " . لكن يعرف ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الحقيقة ، ويظهر منه ذلك باليقين ، فأما من غيره فإنما يعرف التجافي من دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود بالتقارب ، وغالب الظن ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له الآخرة لا محالة ، وأمورها كالمشاهدة والمعاينة ، وكذلك جميع الأنبياء والرسل - عليهم السلام - فأما لغيرهم فلا نحكم بذلك ؛ فلا يبلغ ذلك ، وهو كما ذكر أن رؤيا الأنبياء كالعيان ، أي : تعرف بطريق اليقين ، بخلاف رؤيا غيرهم . وقال بعضهم : شرح صدره ؛ لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم ، والإقلاع عن عبادة من يعبد الله ضاق صدره لذلك ، وثقل على قلبه ؛ فوسع الله صدره وشرحه حتى هان ذلك عليه وخف ، وهو قول أبي بكر الأصم ، إلا أنه يقول : فعل ذلك به ، وحقق بالآيات والحجج ، ونحن نقول باللطف منه ، حتى قام بوفاء ما كلف وأمر ، أما هو لا يقول باللطف والاختصاص [ للبعض دون البعض ؛ لقوله ] بالأصلح . ويحتمل أن يكون ما ذكر من شرح صدره وتوسيعه هو ما ذكر في قوله : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] ، وخلقه كان يجاوز وسعه وطاقته ؛ حتى كادت نفسه تهلك لمكان كفر أولئك ، وما يعلم أنه ينزل بهم ؛ إشفاقا عليهم ، ورحمة ، كقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الآية [ الشعراء : 3 ] وقوله : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ … } الآية [ هود : 12 ] ، وغير ذلك من أمثال هذا ، وذلك - والله أعلم - ما وصف من خلقه أنه عظيم ، فوسع صدره وشرحه حتى يخفف ذلك عليه ؛ حيث قال له : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ … } [ فاطر : 8 ] ، وقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [ الآية ] [ الحجر : 88 ] . وقال الحسن في قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } : بلى ، قد شرح له صدره ، وملأه علما وحكمة . ثم قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } إلى [ آخر ] ما ذكر ، إن كان المخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو المعنى والمراد به ، فتأويل السورة يخرج على ما ذكرنا من تيسير الأمر عليه ، وتخفيف ما [ حمله عليه ] وأمر به . وقوله - تعالى - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } : على ابتداء وضع الوزر والإثم على ما نذكر ، وإن كان المخاطب به غيره وهم أمته ، وإن كان الخطاب أضيف إليه ، فالأمر فيه سهل ، وإن كان الخطاب على الاشتراك ، فيحتاج إلى التأويل أيضا . وقوله - تعالى - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } : قال عامة أهل التأويل : على تحقيق الوزر له والإثم ؛ كقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ … } [ الفتح : 2 ] ، وقوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ محمد : 19 ] ، يقولون : أثبت له الذنب والوزر ، فوضع ذلك عنه ، ولكن هذا وحش من القول ، لكنا نقول : إن قوله : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } : الوزر هو الحمل والثقل ؛ كأنه يقول : قد خففنا [ عليك ] ما حمل عليك من أمر النبوة والرسالة والأحمال التي حملت عليك ؛ كأنه يقول : قد خفف ذلك عليك ، ما لو لم يكن تخفيفنا إياها عليك لأنقض ظهرك ، أي : أثقل ، والله أعلم . والثاني : جائز أن يكون [ قوله ] : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ابتداء وضع الوزر ، أي : عصمك وحفظك ، ما لو لم يكن عصمته إياك لكانت لك أوزار وآثام ، كقوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] ، أي : لو لم يهدك لوجدك ضالا ؛ لأنه كان بين قوم ضلال ، ولكن هداه فلم يجده ضالا ؛ فعلى ذلك ما ذكر من وضع وزره ابتداء ، وهو كقوله : { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ الأحزاب : 43 ] ، أي : عصمكم عن أن تدخلوا فيها ، [ لا ] أن كانوا فيها ، ثم أخرجهم ، ولكن ابتداء إخراج ، [ فعلى ذلك ] ما ذكر من وضع وزره . وقوله : { أَنقَضَ ظَهْرَكَ } ، أي : أثقل ظهرك . وقوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } : جائز أن يكون رفع ذكره ؛ لما ألزم الخلق الإيمان به حتى لا يقبل من أحد الإيمان بالله تعالى ، والتوحيد له ، [ والطاعة ] والعبادة إلا بالإيمان به والطاعة له ، قال الله - تعالى - : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ … } [ النساء : 80 ] ، وقال : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ … } [ النساء : 65 ] . وجائز أن يكون ما ذكر من رفع ذكره هو أنه يذكر حيث ذكر الله ، قرن ذكره بذكره في الأذان والإقامة ، وفي الصلاة ، [ و ] في التشهد ، وفي غيره من الخطب ، والله أعلم . والأول عندنا أرفع وأعظم من الثاني . وجائز أن يكون رفع ذكره ما أضاف اسمه إلى اسمه بما قال : رسول الله ، ونبي الله ، ولم يسمه باسمه على غير إضافة [ إلى ] الرسالة والنبوة ، قال : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ … } [ الفتح : 29 ] ، وقال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ … } [ المائدة : 67 ] ، وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ … } [ التحريم : 1 ] ، ونحو ذلك ، وهو المخصوص بهذا دون غيره من إخوانه عليه السلام ؛ لأنه قلما أضاف اسمهم إلى اسمه ، وقلما قرن أسماءهم باسمه ، بل ذكرهم بأسمائهم ، كقوله : { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ … } [ ص : 48 ] ، [ وقوله ] : { وَيُونُسَ وَلُوطاً } [ الأنعام : 86 ] ، ونحو ذلك . أو رفع ذكره بما عظَّمه وشرفه عند الخلق كله ، حتى إن من استخف به خسر الدنيا والآخرة . وقوله - تعالى - : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } : روي في الخبر أنه قال : " لن يغلب عسر يسرين " . قال بعضهم : إنما كان عسرا واحدا ، وإن ذكره مرتين ؛ لأن العسر الثاني ذكره بحرف التعريف ؛ فهو والأول واحد ؛ واليسر ذكره بحرف النكرة ؛ فهو غير الأول . وقال أبو معاذ : كلما كررت المعرفة كان واحدا ، والنكرة على العدد ؛ يقال في الكلام : إن مع الأمير غلاما إن مع الأمير غلاما ، فالأمير واحد ومعه : غلامان ، وإذا قيل : إن مع الأمير الغلام ، إن مع الأمير الغلام ؛ فالأمير واحد والغلام واحد ، وإذا قيل : إن مع أمير غلاما ، إن مع أمير غلاما ، فهما أميران وغلامان ؛ فعلى ذلك ما ذكر هاهنا . ثم قوله : " يسرين " هو يسر الإسلام والهدى ، ويجوز أن يطلق اسم اليسر على الإسلام والدين ، قال الله - تعالى - : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } [ الليل : 7 ] ، ويسر آخر : ما وعد لهم من السعة في الدنيا . ويحتمل أن يكونا يسرين : أحدهما : رجاء اليسر ، والآخر وجوده ، فهما يسران : الرجاء ، والوجود . ويحتمل أن يكون يسراً في الدنيا ، ويسراً في الآخرة . أو أن يكون توسيعاً : [ توسع ] عليهم الدنيا ، ويسراً ثانياً : ما يفتح لهم الفتوح في الدنيا ، ويسوق إليهم المغانم والسبايا ، والله أعلم . ثم قالوا في قوله : { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ، أي : بعد العسر يسر . وأصله أن حرف " مع " إذا أضيف إلى الأوقات والأحوال يقع على اختلاف الأوقات في المكان الواحد ، وإذا أضيف إلى المكان يقع على اختلاف المكان في وقت واحد ، وهاهنا أضيف إلى الوقت ؛ فهو على اختلاف الأوقات واحدا بعد واحد ؛ فإذا قيل : فلان مع فلان في مكان ، فالوقت واحد ، والمكان مختلف متفرق . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } : قال بعضهم : إذا فرغت من دنياك فانصب لآخرتك ، وهو من النصب ، أي : التعب . وقال الحسن : أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في العبادة له ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه نزل ذلك بمكة ، ولم يكن أمر بالغزو والجهاد بمكة ، إلا أن يكون أمر بالجهاد بمكة في أوقات تأتيه في المستقبل ؛ فيكون الحكم لازما عليه في تلك الأوقات ، لا في حال ورود الأمر . وقال بعضهم : فإذا فرغت من الصلاة ، فانصب في الدعاء . وقال قتادة : إذا فرغ من الصلاة أن يبالغ في دعائه وسؤاله إياه . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : فإذا فرغت من الفرائض ، فانصب في قيام الليل . ويحتمل عندنا : إذا فرغت من تبليغ الرسالة إليهم ، فانصب لعبادة ربك والأمور التي بينك وبين ربك ، على ما ذكرنا في أحد التأويلين في قوله : { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } [ المزمل : 7 ] : في أمر الرسالة والتبليغ ، واذكر اسم ربك فيما بينك وبين ربك . ويجب ألا نتكلف تفسير ما ذكر في هذه السورة من أولها إلى آخرها ؛ لأنه أمر بينه وبين ربه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ما أراد به فيما خاطبه من الجميع ، وأنه فيم كان ؟ وقد كان خصوصا له ، وليس شيئاً مما يجب علينا العمل به حتى يلزمنا التكلف لاستخراج ذلك سوى الشهادة على الله تعالى ؛ فكان الإمساك عنه أولى ، وترك التكلف فيه والاشتغال به أرفق وأسلم ، [ والله الموفق ] .