Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-5)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } : قال أهل التأويل : إن قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، يعني : القرآن . ويحتمل أن يكون [ قوله ] : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، يعني : السلام الذي ذكره في آخر السورة ، حيث قال : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ } : فمن قال : أنزل القرآن في ليلة القدر ، فهم مختلفون فيه : قال بعضهم : أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ في تلك الليلة ، وهي في شهر رمضان ؛ لقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ … } [ البقرة : 185 ] ، أي : أنزل من اللوح المحفوظ ، ثم أنزل من السماء الدنيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفاريق على قدر الحاجة من الأمر والنهي ، والحلال والحرام ، والمواعظ ، وكل ما يحتاج إليه . وقال بعضهم : إنما أنزل من اللوح المحفوظ في تلك الليلة المقدار الذي يحتاج إليه إلى العام القابل جملة ، ثم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما بالتفاريق ، والله أعلم . ثم لا ندري أن تلك الفضيلة التي جعلت لهذه الليلة ؛ لفضل عبادة جعلت فيها ، امتحن الخلق بأدائها على الترغيب والأدب ، أو فضلت لمكان ما امتحن الملائكة وكلفهم بالنزول فيها والعبادة لله في الأرض ، وإنزال القرِآن ، ونحو ذلك ؛ أو لحكمة ومعنى فضلت لم يطلع على ذلك المعنى أحد ، وقد جعلت لبعض الأمكنة الفضيلة لعبادات جعلت فيها ، نحو ما ذكر : " صلاة واحدة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، [ وصلاة واحدة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره ] سوى المسجد الحرام " . وقال تعالى - : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ … } [ الجن : 18 ] ، خصت هذه البقاع بالفضيلة على غيرها ؛ لعبادات جعلت فيها ؛ فعلى ذلك جائز أن يخص بعض الأوقات دون بعض بالفضيلة ؛ لمكان عبادات جعلت فيها ، لكنْ بيَّن تلك الأماكن ، ولم يبين تلك الأوقات المفضلة ، وجعلها مطلوبة من بين غيرها من الأوقات ؛ فهو - والله أعلم - : أن لو بين ، وأشير إليها ؛ لكان لا مؤنة تلزم لطالبه في ذلك ؛ لأنه يحفظ ذلك الوقت وتلك الليلة خاصة ، وأما المكان تلزم المؤنة في إتيان ذلك [ المكان ] ، وعلى ذلك يخرج ما لم يبين وقت خروج روح الإنسان من بدنه ؛ لأنه لو بين ، وأعلم نهاية عمره ، لتعاطى الفسق ، وارتكب المعاصي ؛ آمنا إلى آخر أجزاء حياته ، ثم يتوب ؛ فلم يبين ؛ ليكون أبدا على خوف وحذر ورجاء ؛ فعلى ذلك لم يبين تلك الليلة ؛ لتطلب من بين الليالي جميعا ؛ ليحيوا ليالي غيرها ، والله أعلم . ثم إن كان السؤال عن القرآن هو المنزل في تلك الليلة ، يكون دليله قوله : { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ … } [ الدخان : 1 - 3 ] . وإن كان السؤال عن ليلة القدر ؛ فيكون البيان عنها . ثم قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : يقول : ما كنت تدري حتى أدراك ؛ كقوله : { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا … } [ هود : 49 ] . ويحتمل قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ } على التعظيم لها والتعجيب ، والله أعلم . وقيل : نزول هذه الآية يكون على معنى التسلي ، أعطاه فضل هذه الليلة ، والعمل فيها ، ثم بين فضلها حيث قال : { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، اختلف فيه : قال بعضهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم أُري بني أمية على منبره ؛ فساءه ذلك ؛ فنزل قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ … } ، أي : [ من ] ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا محمد ، صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، أي : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها . وقيل - أيضا - : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لأصحابه أن رجلا من بني إسرائيل جاهد ألف شهر في سبيل الله ؛ فعظم ذلك عليهم ؛ فنزل قوله - تعالى - : { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، أي : العمل فيها خير من جهاد ذلك الرجل [ في ] ألف شهر . ويحتمل أن يكون ذكر ألف شهر على سبيل التمثيل ، لا على التوقيت ، أي : خير من ألف شهر وأكثر ؛ إذ التقدير قد يكون لبيان العدد نفسه ، وقد يكون لبيان شرف ذلك الشيء وعظمته ؛ فلا يكون الغرض هو القصر على العدد ، وهو كقوله : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] ، ونحو ذلك . ثم اختلف في تسمية ليلة القدر : قال بعضهم : هي ليلة الحكم والقضاء ، فيها يحكم ويقضي ما يريد أن يكون في ذلك العام المقبل ؛ لقوله - تعالى - : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ الدخان : 4 ] . أو سميت : ليلة القدر ؛ لأنها ليلة لها قدر ومنزلة عند الله تعالى ؛ لما يوصف الشيء العظيم بالقدر والمنزلة . وسميت : ليلة مباركة ؛ لأنه تنزل فيها البركات والرحمة من الله - تعالى - على خلقه . أو سميت : مباركة ؛ لكثرة ما يعمل فيها من العبادات . وقوله - عز وجل - : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ … } : قال بعضهم : الروح هاهنا : جبريل - عليه السلام - كقوله - تعالى - : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] . وقال [ بعضهم ] : خلق موكلون بالملائكة ، كما أن الملائكة موكلون ببني آدم . وجائز أن يكون الروح هاهنا هو الرحمة ، أي : تنزل الملائكة بالرحمة فيها ، على ما سميت : مباركة بما ينزل فيها من البركات . ثم اختلفوا في قوله : { فِيهَا } : قال بعضهم : أي : في تلك الليلة تنزل الملائكة والروح . وقيل : { فِيهَا } : أي : في الملائكة . وقوله - عز وجل - : { بِإِذْنِ رَبِّهِم } ، أي : ينزلون بأمر ربهم . وقوله - عز وجل - : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } : قال بعضهم : أي : بكل أمر تقدر في تلك السنة على الأرض ، وكذا قال القتبي : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ } ، أي : بكل أمر سلام . وقيل : من كل أمر يدبره الله تعالى ، أي : الملائكة لا علم لهم فيما يقدر الله - تعالى - إلا أن يطلعهم الله عليه ؛ فكأنهم يطلعون على ما يقدر في تلك السنة من الأمور ؛ فينزلون بها بأمر الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { سَلاَمٌ هِيَ } : قيل : تنزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله تعالى والرحمة والمغفرة . وقال [ بعضهم ] : أي : هي ليلة سالمة ، لا يحدث فيها شر ، ولا يرسل فيها شيطان إلى مطلع الفجر . وقال بعضهم : هو سلام الملائكة ، أي : تسلم الملائكة على كل مؤمن ومؤمنة . وقال بعضهم : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ } ، أي : من كل آفة وبلاء سلام . وكذلك ذكر في قوله - تعالى - : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] : قال بعضهم : يحفظونه من عذاب الله . وقال بعضهم : يحفظونه بأمر الله تعالى ؛ فكذلك يحتمل قوله : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ } هذين الوجهين . وقوله : { هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } يحتمل : أي تلك البركات التي ذكرت إلى مطلع الفجر . ويحتمل ذلك السلام الذي ذكر إلى مطلع الفجر . ويحتمل الملائكة يكونون في الأرض إلى مطلع الفجر ، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ : { من كل امْرئ سلام } ، وقال : يعني : الملائكة . ثم قال بعضهم : اختلفت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر متى تكون ؟ واختلفت الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - فيها : روى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " التمسوها في العشر الأواخر ، واطلبوها في كل وتر " . وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة تسع عشرة من رمضان ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين " . وروى ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر " . وروي أنها في سبع وعشرين . وعن عبد الله بن عمر أنه : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر - وأنا أسمع - قال : " هي في كل رمضان " . وعن زر قال : قلت لأبي بن كعب : أخبرني عن ليلة القدر ، يا أبا المنذر ؛ فإن صاحبنا عبد الله بن مسعود سئل عنها ، فقال : من يقم الحول يصبها فقال : نعم ، رحم الله أبا عبد الرحمن ، والله لقد علم أنها في رمضان ، كره أن تتكلوا ، والله إنها في رمضان ، ليلة سبع وعشرين . ثم ليس لنا ، ولا لأحد أن يشير إلى تلك الليلة ، فيقول : هي ليلة كذا : ليلة سبع وعشرين ، أو تسع وعشرين ، إلا أن يثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر بالإشارة إليها ؛ فعند ذلك يسع ، وإلا كانت مطلوبة في الليالي . وعلى هذا الوجه تخرج الأخبار المروية على التوافق دون المناقضة ، وتكون كلها صحيحة ؛ فتكون في سنة بعض الليالي ، وفي سنة أخرى في غيرها ، وفي سنة في العشر الأواخر من رمضان ، وفي سنة العشر الأوسط من رمضان ، وفي سنة في العشر الأول ، وفي سنة في غير رمضان ، والله أعلم بالصواب .