Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-8)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } : قد ذكرنا أن حرف { إِذَا } إنما يذكر عن سؤال سبق منهم ؛ كأنهم سألوا عن الوقت الذي كانوا يوعدون فيه ، وإن لم يذكر السؤال ؛ لأنه قد يكون في الجواب بيان السؤال ، وفي السؤال بيان الجواب ، وإن لم يذكر ، فعند ذلك قال : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ، أخبرهم عن أحوال يوم القيامة والحساب ، ولم يخبرهم عن وقتها ، وقد ذكرناه في غير موضع . ثم قوله - عز وجل - : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ، أي : حركت الأرض تحريكا شديداً ؛ لهول ذلك اليوم ، وهو يخرج على وجهين : أحدهما : جائز أن تكون تتزلزل وتتحرك ؛ حتى تلقي ما ارتفع منها من الجبال الرواسي في الأودية ، حتى تستوي الأرض ، لا يبقى فيها هبوط ولا صعود ، كقوله - تعالى - : { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 107 ] . وجائز أن يكون قوله : { زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } ، أي : تتزلزل ، وتتحرك ؛ لتغير الجبال الرواسي حتى تصير كما ذكر : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 4 - 5 ] . وقوله - عز وجل - : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] وإذا فنيت وتلاشت بقيت الأرض مستوية على ما ذكر . ويحتمل أن تكون تتزلزل وتتحرك ؛ حتى تصير غير تلك ؛ كقوله - تعالى - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ … } الآية [ إبراهيم : 48 ] . ويحتمل أن يكون تبديلها وتحريكها ومدها هو تغير صفاتها ؛ على ما ذكرنا في الوجهين الأولين . قال الزجاج : لا تصح هذه القراءة ؛ لأن الزلزال من المضاعف ، والمضاعف إنما يكون بالخفض مصادرها ، أما من الأسماء قد يكون نصبا ؛ كقوله تعالى : { مِن صَلْصَالٍ } [ الحجر : 26 ] ، ونحوه ، والزلزال : مصدر ؛ فيكون الأصل المطرد فيه هو الكسر ، والنصب يكون نادرا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } . أي : أحمالها ؛ لهول ذلك اليوم ، وقال في آية أخرى : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 4 ] ، ثم يحتمل { وَأَخْرَجَتِ } { وَأَلْقَتْ } ما فيها من الموتى من أول ما دفن فيها من كل شيء من الحيوان وغيرها ، إلى آخر ما يجعل فيها من الكنوز وغيرها مما يحتمل الحساب ، ومما لا يحتمل من البشر ، وجميع الممتحنين وغيرهم . ويحتمل : أخرجت أثقالها : الممتحنين خاصة : ممن يحاسبون ، ويثابون ، ويجزون . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } . أي : قال الكافر : ما لها تتحرك ؟ فقال بعضهم : أحمق في الدنيا ، وأحمق في الآخرة ؛ حيث يسأل الأرض ما لها تتزلزل وتتحرك ؟ يظن أنها بنفسها تفعل ذلك لا لفزعة ما ترى من أهوال ذلك اليوم وتغيير أحوالها ؛ على ما لم ينظر في الدنيا في الآيات والحجج حتى يقبلها ، ويخضع لها . وقال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه يقول : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ، { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } ، تشهد وتخبر بما عمل على ظهرها . ثم إخبارها يخرج على وجوه : أحدها : ما قاله أهل التأويل : إنها تخبر وتحدث بما عمل على ظهرها من خير أو شر ، أو طاعة أو معصية . لكن لا يحتمل إخبارها الخير ؛ لأنها إنما تشهد عليهم ؛ لإنكار أهل الكفر ما كان منهم من فعل الكفر والمعصية ، وأما أهل الجنة فإنهم يكونون مقرين بالخيرات ، والله - تعالى - يصدقهم على ذلك ، والله أعلم . وكذلك ما ذكر من شهادة الجوارح إنما تشهد عليهم على ما ينكرون من الشرك والكفر وغير ذلك من المعاصي ؛ فعلى ذلك التأويل يكون إخبارها على حقيقة النطق والكلام . وقال بعضهم : إخبارها : ما ذكر من تزلزلها وتحركها ، والأحوال التي تكون فيها هو تحديثها وأخبارها التي تكون منها . وقال بعضهم يومئذ تبين وتقع أخبارها التي أخبروا في الدنيا فكذبوها ، يومئذ يتبين لهم ذلك ، ويقع لهم مشاهدة عيانا من الحساب والثواب والعقاب ، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها " . وقوله - عز وجل - : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } : من قال بأن أخبارها من شهادتها بما عملوا على ظهرها ، يكون تأويله قوله - تعالى - : { أَوْحَىٰ لَهَا } ، أي : أذن لها ربها بالشهادة ؛ فتشهد . ومن قال : إخبارها هو تزلزلها وتحركها والأحوال التي تكون منها يقول على إسقاط { لَهَا } يقول : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } ، أي : فعل ذلك بها ، والوحي قد يكون الوحي والإلهام والأمر ، ويستعمل فيما يليق به . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } : يحتمل صدور الناس من وجهين : أحدهما : يصدرون من قبورهم إلى الحساب ؛ ليروا كتابة أعمالهم ، أي : ليروا ما كتب من أعمالهم التي عملوا في الدنيا ، ويحتمل صدورهم على ما أعد لهم في الآخرة من الثواب والعقاب ؛ فعلى هذا التأويل ؛ ليروا [ جزاء أعمالهم ] التي عملوا في الدنيا ، كقوله - تعالى - : { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] ، وقوله - تعالى - : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً … } [ الزمر : 71 ] هذا تفسير قوله : { أَشْتَاتاً } . وقوله - عز وجل - : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } : قال بعضهم : يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا يرى ؛ لأنه لا يؤمن بها ، ولا يعمل لها ؛ كقوله - تعالى - : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ … } [ الإسراء : 18 ] ، والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا ، وما عمل في الآخرة ؛ وعلى ذلك روي في الخبر " أن أبا بكر [ الصديق ] - رضي الله عنه - كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ؛ فقال أبو بكر [ الصديق ] : يا رسول الله : كل من عمل منا شر يراه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يرون في الدنيا مما يكرهون فهو من ذاك ، ويؤخر الخير لأهله في الآخرة " . وجائز أن يكون قوله - تعالى - : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } و { شَرّاً يَرَهُ } ، على الإحصاء والحفظ ؛ كقوله - تعالى - : { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا … } [ الكهف : 49 ] أي : لا يذهب عنه شيء قليل ولا كثير حتى الذرة . ويحتمل وجها آخر ، وهو أن قوله - تعالى - : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ … } أي : من يعمل من المؤمنين مثقال ذرة خيرا يره في الآخرة ، ومن يعمل من الكفار مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ؛ لأن الله - تعالى - قد أخبر في غير آي من القرآن أنه يتقبل حسنات المؤمنين ، ويتجاوز عن سيئاتهم ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ العنكبوت : 7 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وقوله : { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ليس على إرادة حقيقة الذرة ؛ ولكن على التمثيل . ثم قيل من إخبار الأرض وما ذكر من شهادة الجوارح : أن كيف احتمل ذلك ، وهي أموات ، والموات لا علم لها ؟ فجائز أن يكون الله - تعالى - يجعل لها علما ، وينطقها بذلك ، وأن لها بذلك علما على جعلها آية . ثم في قوله - تعالى - : { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } دلالة أن قوله - تعالى - : { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 6 ] ، وقوله : " لا تسافروا بالقرآن [ إلى ] أرض العدو " ، وقول الناس : " نقرأ كلام رب العالمين " ، و " في المصاحف قرآن " ألا يراد به حقيقة كون كلام الله - تعالى - في المصاحف ، ولا حقيقة كون القرآن فيها والسفر به ، ولا حقيقة سماع كلامه ، ويكون على ما أراد من سماع ما به يفهم كلامه ، أو يسمع ما يعبر به عن كلامه ، وكذلك يكون في المصاحف ما يفهم به كلامه ، أو ما يعبر به عن كلامه ؛ على ما ذكر من رؤية الأعمال ، وأعين الأعمال لا ترى ، ولكن يرى ما يدل عليها ، وهو المكتوب من أعمالهم في الكتب التي فيها أعمالهم ؛ فعلى ذلك هذا ، [ والله أعلم بالصواب ] .