Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-7)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بِسمِ ٱلله } المعبر بها عن الذات الأحدية ، باعتبار تنزيلها عن تلك المرتبة ؛ إذ لا يمكن التعبير عنها باعتبار تلك المرتبة أصلاً ، وباعتبار شمولها وإحاطتها جميع الأسماء والصفات الإلهية المستندة إليها المظاهر كلها المعبر عنها عند أرباب المكاشفة بالأعيان الثابتة ، وفي لسان الشرع باللوح المحفوظ والكتاب المبين { الرَّحْمٰنِ } المعبر بها عن الذات الأحدية باعتبار تجلياتها على صفحات الأكوان وتطوراتها في ملابس الوجودب والإمكان ، وتنزيلها عن المرتبة الأحدية إلى مراتب العددية ، وتعيناتها بالتشخيصات العلمية والعينية وانصباغها بالصبغ الكيانية { الرَّحِيـمِ } [ الفاتحة : 1 ] المعبر بها عن الذات الأحدية باعتبار توحيدها بعد تكثيرها ، وجمعها بعد تفريقها ، وطيِّها بعد نشرها ، ورفعها بعد خفضها ، وتجريدها بعد تقييدها . { ٱلْحَمْدُ } والثناء الشامل لجميع المحامد والأُثنِيّة الصادرة عن ألسنة ذرائر الكائنات المتوجهة نحو مبدعها طوعاً ، المعترفة بشكر منعمها حالاً ومقالاً ، أزلاً وأبداً ، ثابتةً مختصة { للَّهِ } أي : للذات المستجمع لجميع الأسماء والصفات المظهرة المريبة للعوالم ، وما فيها بأسرها لكونه { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] ولولا تربيته إياها وإمداده لها طرفة لفني العالم دفعة . { ٱلرَّحْمـٰنِ } المبدئ المبدع لها في النشأة الأولى بامتداد ظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا على مرآة العدم المنعكسة منها العالم كله وجزءه ، شهادته وغيبه ، أولاه وأخراه وأجزاءه بلا تفاوت { ٱلرَّحِيمِ } [ الفاتحة : 3 ] المعيد للكل في النشأة الأخرى بطيّ سماه الأسماء وأرض الطبيعة السفلى إلى ما منه الابتداء وإليه الانتهاء لكونه : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 4 ] والجزاء المسمى في الشرع بيوم القيامة ، والطامة الكبرى المندكة فيها الأرض والسماء المطويات فيها سجلات الأولى والأخرى في الأرض ؛ إذ فيها ارتجت الآراء والأفكار وارتفعت الحجب والأستار ، واضمحلت أعيان السوى والأغيار ، ولم يبق إلا الله الواحد القهار ، ثم لما تحقق العبد في هذا المقام ، ووصل إلى هذا المرام ، وفوض الأمور كلها إلى الملك العلام القدوس السلام حق له أن يلازم ربه ويخاطب معه بلا ستر ولا حجاب ، تتميماً لمرتبة العبودية إلى أن يرتفع كاف الخطاب عن البين ، وينكشف الغين عن العين ، وعند ذلك قال لسان مقالة مطابقاً بلسان حاله : { إِيَّاكَ } لا إلى غيرك ؛ إذ لا غير في الوجود معك { نَعْبُدُ } نتوجه ونسلك على وجه التذلل والخضوع ؛ إذ لا معبود لنا سواك ولا مقصد إلا إياك { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] أي ما نطلب الإعانة والإقدار على العبادة لك إلا منك ؛ إذ لا مرجع لنا غيرك . { ٱهْدِنَا } بلطفك { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] الذي يوصلنا إلى ذروة توحيدك . { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } من المرتدين الشاكين ، المنصرفين بمتابعة العقل المشوب بالوهم عن الطريق المستبين . { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] بتغريرات الدنيا وتسويلات الشياطين عن منهج الحق ومحجة اليقين . آمين : إجابة منك يا أرحم الراحمين . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المتوجه نحو توحيد الذات - يسَّر الله أمرك - أن تتأمل في الأبجر السبعة المشتمل بهذا السبع المثاني في القرآن العظيم ، المتفرعة على الصفات السبع الذاتية الإلهية ، الموافقة للسماوات السبع والكواكب السبعة الكونية ، وتدبر فيها حق التدبر ، وتتصف بما رمز فيها تتخلص من الأودية السبعة الجهنمية ، المانعة من الوصول إلى جنة الذات المستهلكة عندها جميع الإضافات والكثرات ولا يتيسر لك هذا التأمل والتدبر إلا بعد تصفية ظاهرك بالشرائع النبوية والنواميس المصطفوية المستنبطة من الكلم القرآنية ، وباطنك بعزائمه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم المقتبسة من حكمها المودعة فيها ، فيكن القرآن الجامع له خلق النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ، المورث له من ربه المستخلف له . فالقرآن خلق الله المنزل على نبيه ، من تخلق به فاز بما فاز ، لذلك قال صلى الله عليه وسلم : " تخلقوا بأخلاق الله " وهي التي ذكرت في القرآن ، والفاتحة منتخبة من جميع القرآن على أبلغ وجه وأوضح بيان ، من تأمل فيها نال ما نال من جميع القرآن ، لذلك فرض قراءتها عند الميل والتوجه إلى الذات الأحدية المعبر عنه بلسان الشرع ، بالصلاة التي هي معراج أهل الاتجاه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلاة معراج المؤمن " ، وقال أيضاً : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فعليك أيها المصلي المتوجه إلى الكعبة الحقيقة والقبلة الأصلية أن تواظب على الصلوات المفروضة المقربة إليها ، وتلازم الحكم والأسرار المودعة في تشريعها ، بحيث إذا أردت الميل إلى جنابه والتوجه نحو بابه لا بد لك أولاً من التوضؤ والتطهر عن الخبائث الظاهر والباطنة كلها ، والتخلي عن اللذات والشهوات برمتها إلى حيث تيسر لك التحريمة بلا وسوسة شياطين الأهواء المظلة . فإذا قلت مكبراً محرماً على نفسك جميع حظوظك من دنياك : الله أكبر ، لا بد لك أن تلاحظ معناه بأنه : الذات الأعظم الأكبر في ذاته لا بالنسبة إلى الغير ؛ إذ لا غير ، وافعل هذا للصفة لا للتفضيل وتجعلها نصيب عينيك وعين مطلبك ومقصدك . وإذا قلت قلت متيمناً متبركاً : بسم الله ، انبعثت رغبتك إليه ومحبتك له . وإذا قلت : الرحمن ، استنشقته من النفس الرحماني ما يعينك على الترقي نحو جنابه . وإذا قلت : الرحيم ، استروحت بنفحات لطفه ونسمات رحمته ، وجئت بمقام الاستئناس معه سبحانه بتعديد نعمه على نفسك . وإذا قلت شاكراً لنعمه : الحمد لله ، توسلت بشكر نعمه إليه . وإذا قلت : رب العالمين ، تحققت بإحاطته وشموله وتربيته على جميع الأكوان . وإذا : قلت الرحمن ، رجوت من سعة رحمته وعموم إشفاقه ومرحمته . وإذا قلت : الرحيم : نجوت من العذاب الأليم الذي هو الالتفات إلى غير الحق ، ووصلت إليه بعدما فصلت عنه بل اتصلت . وإذا قلت : مالك يوم الدين ، قطعت سلسلة الأسباب مطلقاً ، وتحققت بمقام الكشف الشهود وحين ظهر لك ما ظهر ، فلك أن تقول في تلك المقام والحالة بلسان الجمع : إياك نعبد ، بك مخاطبين لك وإياك نستعين بإعانتك مستعينين منك . وإذا قلت : اهدنا الصراط المستقيم ، تحققت بمقام العبودية . وإذا قلت : صراط الذين أنعمت عليهم ، تحققت بمقام الجمع . وإذا قلت : غير المغضوب عليهم ، استوحشت من سطوة سلطنة صفاته الجلالية . وإذا قلت : ولا الضالين ، خفت من الرجوع بعد الوصول . وإذا قلت : آمين ، أمنت من الشيطان الرجيم . فلك أن تصلي على الوجه الذي تلي ، حتى تكون لك صلاتك معراجاً إلى ذروة الذات الأحدية ومرقاة إلى السماء السرمدية ، ومفتاحاً للخزائن الأزلية الأبدية ، وذلك لا يتيسر إلا بعد الموت الإرادي من مقتضيات الأوصاف البشرية ، والتخلق بالأخلاق المرضية والخصال السنية ، ولا يحصل لك هذا الميل إلا بعد العزلة والفرار عن الناس المنهمكين في الغفلة ، والانقطاع عنهم وعن وسوستهم وعاداتهم المرة ، وإلا فالطبيعة سارقة والأمراض سارية والنفوس آمرة بالهوى ، مائلة عن المولى ، عصمنا الله من شرورها وخلصنا من غرورها بمنه وجوده .