Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 105, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ } ولم تعلم يقيناً علمياً حاصلاً لك من طريق السمع إلى حيث وصل إلى مرتبة اليقين العيني من كثرة السماع من الثقات ، وتكرره { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } الذي ربَّاك يا أكمل الرسل لرسالته ، وأظهر دينك على الأديان كلها ، ونصرك على عموم أعدائك بقدرته الغالبة { بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] وهو جيش أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قِبل أصمحة النجاشي . قصد هدم الكعبة عمَّرها الله ، فخرج معه جيشه ، ومعه فيل كثيرة ، لكن فيها فيل عظيم جسيم في غاية الجسامة ، مسمى بـ " محمود " كانوا يأمرون له بهدم البنيان ، فيهدمها في الحال ، ولهذا سمُّوه بهذا الاسم . وسبب هذا القصد أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء ، فسماها قُليس ، فعزم أن يصرف الحاج من مكة إليها ، فلمَّا انتشر الخبر ، ذهب رجل من كنانة إلى قُليس ذات ليلة ، فتغوط فيها ولطخ بها محاربها ، فوصل الخبر إلى أبرهة فغار غيرة شديدة ، فحلف : والله لأهدمن الكعبة . فخرج مع جيشه وفيله ، حتى وصل إلى حوالي الحرم ، وأراد أن يأمر اليل بهدمها ، فبرك ولم يبرح نحوها ، فضربوه وشددوا عليه ، فلم يفد ، فكانوا إذا وجهوه إلى جهة غير جهة البيت هرول وأسرع ، وأمَّا نحوها فلم يمش قط ، فصاروا متحيرين في شأنه . كما قال سبحانه : { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ } الذي كادوا به لهدم البيت وانصراف الزوار عنه نحو بيتهم الذي قد بنوا { فِي تَضْلِيلٍ } [ الفيل : 2 ] ضياع وهلاك ؟ ! { وَ } كيف لا يكون في الضياع والخسار ؛ إذ { أَرْسَلَ } سبحانه بمقتضى قدرته الغالبة { عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } [ الفيل : 3 ] أفواجاً كثيرة متفرقة ، متفوقة من جنس واحد من الطير ، مع كل واحد منها ثلاثة أحجار . { تَرْمِيهِم } يعني : الطير ، جيش أبرهة { بِحِجَارَةٍ } متخذة { مِّن سِجِّيلٍ } [ الفيل : 4 ] وهو معرب : سنك وكل . { فَجَعَلَهُمْ } من كثرة ما ترميهم بها { كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] أي : كتبن يأكله الأنعام وتروث به ، فتفرقه الرياح ؛ أي : صاروا من شدة غضب الله إياهم هباءً منثوراً . خاتمة السورة عليك أيها السالك الخائف من بطش الله ، المتحترز عن مقتضى قهره وجلاله أن تكون في عموم أحوالك وأطوارك بين الخوف والرجاء عن جلال الله وجماله ، بحيث لا يجري عليك نفَس من أنفاسك ، وأنت فيه خالٍ عن كلا النقيضين . وبالجملة : لا تيأس من روح الله ، ولا تتكل على كرمه ، فاعلم أنه سبحانه يرقبك في حالاتك ، ويعلم منك ما لم تعلم من نفسك ، فكن المخلصين ولا تكن من القانطين ، فإن ناقدك خبير بصير .