Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي : خابت وخسرت ، يداه كناية عنه ، وما ذلك إلاَّ أنه من غاية نخوته وغروره ، بحيث هلك في نار فظيعة كنفسه الجهنمية التي خيبته خيبة أبدية وخسراناً سرمدياً حينما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع المكروه ، وعارض معه على وجه لا يليق بشأنه صلى الله عليه وسلم اتكالاً على ماله وجاهه وثروته وسيادته . وذلك لمَّا نزلت الآية الكريمة : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى الصفا ، فنادى : " يا بني فهر ، يا بني عدي ، لبطون قريش " حتى اجتمعوا ، فقال : " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تقبل عليكم ، أكنتم مصدقي ؟ " قالوا : نعم ما جربنا عليك إلاَّ صدقاً ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب على سبيل الاستهزاء : تباً لك يا محمد ، ألهذا جمعتنا ؟ ! فنزلت : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } " لمجادلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرائه معه ، وقصد استحقاره واستهانته إياه صلى الله عليه وسلم . { وَ } قد { تَبَّ } [ المسد : 1 ] وهلك ذلك اللعين المفرط على الوجه الذي أخبر الله بهلاكه إلى حيث { مَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنْهُ مَالُهُ } الذي يتكل عليه ، ويستظهر به شيئاً من غضب الله { وَ } ما نفع له ونصر عليه { مَا كَسَبَ } [ المسد : 2 ] وجمع من الأموال والأولاد والأتباع . قيل : مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة ، وتُرك ثلاثة أيام حتى أُنتن ، ثمَّ استأجروا بعض السودان حتى دفنوه ، فهو إخبار عن الغيب ، وقد وقع على وجهه ، هذا مآل أمره في النشأة الأولى . وفي النشأة الأخرى { سَيَصْلَىٰ } ويدخل ذلك اللعين { نَاراً } وأي نار ، ناراً { ذَاتَ لَهَبٍ } [ المسد : 3 ] واشتعال عال من شدة سورتها وفظاعتها . { وَٱمْرَأَتُهُ } التي تمشي بالنميمة بين الناس ، وتوقد نار الفتنة والعداوة بينهم تصير هي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [ المسد : 4 ] بنار جهنم ، تحتطب لها من الضريع والزقوم ، أو هي " حمالةُ الحطب " فيها على قراءة الرفع ؛ يعني : صورت نميمتها التي قد مشيت بها في الدنيا بإيقاد نار الفتن على هذه الصورة ، فتلازم عليها . { فِي جِيدِهَا } وعنقها { حَبْلٌ } سلسلة متخذة { مِّن مَّسَدٍ } [ المسد : 5 ] مفتول قد فُتل من الحديد ، تحمل بها الحطب مع أنها من أشراف قريش ، هي وزوجها أيضاً . خاتمة السورة عليك أيها المعتبر المستبصر - عصمك الله من تباب الدارين وخسارهما ويوارهما - أن تتأمل في مرموزات القرآن من القصص والأحكام والعبر والأمثال ، فتأخذ حظك منها مقدار ما يسر الله لك ، وأودعه في وسعك وطاقتك . فاعلم أن كل ما في القرآن إنما نزل للإرشاد والتكميل ، فلك أن تأخذ من إشارات هذه السورة حسن المعاشرة وآداب المصاحبة ، وحقارة مزخرفات الدنيا وما يترتب عليها من اللذات الوهمية ، الساقطة عن درجة الاعتبار ، الزائغة الزائلة بلا قرار ومدار .