Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما مكنك الحق في مقعد التوحيد ، وهداك الوصول إلى ينبوع بحر الحقيقة التي هي الوحدة الذاتية ملتجئاً إلى الله ، مستمسكاً بعروة عصمته : { أَعُوذُ } وألوذ { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 1 ] الذي أظهرهم من كتم العدم ورباهم بأنواع اللطف والكرم ، لكونه : { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 2 ] . { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 3 ] إذ ظهور الكل منه ورجوعه إليه . { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الموسوس ، المثير للفتن في قلوب الناس { ٱلْخَنَّاسِ } [ الناس : 4 ] الدفَّاع ، والرجَّاع للناس ، فإنه منبسط على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله تعالى خنس وانقبض وإذا غفل انبسط على قلبه ، فالتطارد بين ذكر الله تعالى ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلام إذا جاء أحدهما طرد الآخر ، مثله كمثل الواهمة تساعد في المقدمات ، فإذا آل الأمر إلى النتيجة رجع وارتدع ، مثلاً إذا قيل : الميت جماد والجماد لا يخاف منه أقرت ، وإذا قيل : فالميت لا يخاف منه فرت { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } [ المدثر : 50 - 51 ] . { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 5 ] إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، وجعلوا إنجاح قضية أهوائهم من همهم . { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [ الناس : 6 ] بيان للوسواس ، أو الذي ، أو متعلق بيوسوس ؛ أي : يوسوس في صدورهم من جهة الجِنَّة والناس بأن يلقي إليهم أنهما يضران وينفعان بالتأثير والاستقلال ، فيرجوان منهما المطالب والآمال ، فيقعون في تيه الحسرة وهاوية الضلال . أعاذنا الله وعموم عباده من شر كلا الفريقين بفضله وجوده . خاتمة السورة إياك إياك أيها الطالب للخلاص ، الراغب في الإخلاص أن تتبع الهوى تنكب على الشهوات ، فإن الإنسان إن اتبع الهوى وطاعة قضية القوى صار القلب عش الشيطان ومعدنه ؛ لأن الهوى هو مرماه ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه ، صار القلب مستقر الملائكة ومهبطه . ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى ، وجد الشيطان مجالاً واسعاً ، فيوسوس بالشر وما يجري إلى سوء المعاقبة ، ويطرحه في الهاوية ، ومتى أعرض عن الشهوات وجاهدها إلى حيث ينبغي ، وأقبل على الطاعات كما ينبغي ، يلهمه الملك بالخيرات ، ويعينه في أسباب النجاة ، ويرشده إلى الفوز بالجنات ، فإن الخواطر مبدأ الأفعال ؛ إذ الخواطر تحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم والنية ، والنية تحرك الأعضاء وترسخ العقائد ، فإن كانت من الخواطر المحمودة الإلهامية يفضي إلى الصلاح والنعمة ، وإن كانت من الوساوس الشيطانية يسري إلى الفساد والنقمة . أعاذنا الله تعالى من مهادنة النفس ومساعدة الهوى ، وأعاننا على مجاهدة الشهوات ومعاندة فرط القوى بحرمة سيد السادات ، وصفوة الكائنات ، صلوات الله التامات وتسليماتهم الزاكيات عليه وعلى آله وأزواجه الطاهرات وذرياته السادات ، وخلفائه الراشدين ، وأصحابه أجمعين . @ عجل بالنصر وبالفرج يا رب بهم وبآلهم @@ والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً . والحمد لله رب العالمين .