Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 109-111)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } أيها المبعوث للكل { إِلاَّ رِجَالاً } مثلك من جنس البشر { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } أي : نخصهم بالوحي والإلهام ؛ لنجابة طينتهم في أصل خلقتهم مع أنهم { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي : من جملة ما يسكنون فيها { أَ } يصرون هؤلاء المعاندون على تكذيبك ، معللين بقولهم الباطل : ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة { فَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ } كذبوا الرسل المبعوثين لهم مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } مثل تكذيبهم إياك حتى يعتبروا منها { وَ } الله { لَدَارُ ٱلآخِرَةِ } المعدة للفوز والفلاح { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي : للمؤمنين الذين يحفظون نفوسهم عما حذرهم الله منها { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يوسف : 109 ] أيها المسرفون المكابرون . وإن تمادوا في الغفلة والإصرار على التكذيب مدة مديدة { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ } وقنط { ٱلرُّسُلُ } المبعوثون إليهم بل { وَظَنُّوۤاْ } من طول الإمهال وعدم الأخذ والبطش { أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } يقيناً ، وصاروا كأنهم قد أخلف عنهم الوعد الذي وُعدوا به من جانب الحق ، وبعدما أزداد بأسهم وقنوطهم ، وقد جاءهم نصرنا الذي وعدناهم وعذابنا الذي قد أوعدنا به أممهم ، وبعدما جاء أخذنا إياهم { فَنُجِّيَ } ونخلص { مَن نَّشَآءُ } إيمانه بنا وبرسلنا وانقياده إياهم { وَ } بالجملة : { لاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا } الذي قد وعدنا به { عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ يوسف : 110 ] الذين أجرموا علينا بتكذيب رسلنا وكتبنا ، وإن طالت مدة الإمهال . بثم قال سبحانه تنبيهاً وحثاً لعباده على ما في كتابه من الإشارات { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } أي : قصص الأنبياء المذكورين في القرآن سيما قصة يوسف عليه السلام { عِبْرَةٌ } اعتبار واستبصار { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } الذين يتأملون ويتعمقون في لب الكلام ، ويعرضون عن قشوره ؛ { مَا كَانَ } القرآن ما ذكر فيه من القصص والأحكام { حَدِيثاً } مختلفاً { يُفْتَرَىٰ } به إلى الله افتراءً ومراءً { وَلَـٰكِن } وحي نزل من عند الله ليكون { تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب الإلهية ، أي : مصدقاً أحكامها وآثارها { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } احتيج إليه في الدين من الأمور المتعلقة ؛ لتهذيب الظاهر والباطن { وَهُدًى } من تمسك به وعمل بما فيه أمن من اضلال { وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ يوسف : 111 ] أي : يعلمونه ويصدقون بمقتضاه . خاتمة السورة عليك أيها المستبصر ، الخبير المسترشد ، البصير - بصَّرك الله بعيوب نفسك ، وجنبك عن غوائلها - أن تعتبر من القصة التي ذكرت في هذه السورة ، وتحترز عن المكائد المذكورة فيها والمخادعات المصرحة بها والمرموزة إليها ، وتصفي أمارة نفسك عن مبادئها وتبرئها حسب طاقتك وقدر وسعد وطاقتك وقوتك عما يؤول إليها ويؤدي نحوها ، وتشمر ذيل همتك لتهذيب ظاهرك وباطنك عما يعوقك عن سلوك طريق التوحيد المفضي إلى اضمحلال الرسوم وانقهار التعينات العدمية الأظلال الهالكة ، المؤدية إلى الكثرة والتنويه ، الحاجبة عن صرافة الوحدة الذاتية بالنسبة إلى ذوي الحجب الكثيفة والغشاوة الغليظة . وعليك أن تتوجه بوجه قلبك إلى إفناء لوازم تعيناتك الباطلة ، وهوياتك العاطلة التي هي شياطين طريقك نحو الحق المنزه عن التغيير والتبديل ، المقدس عن الانقلاب والتحويل ؛ إذ لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يفتره كر الدهور ومر الزمان ، بل { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] ، و { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ الرحمن : 26 ] . وبالجملة : بعدما فنيت عن وجوه تعيناتك رأساً ، يبقى وجه ربك الذي لا انقلاب له أصلاً ذو الجلال الذاتي والأزلي ، والإكرامم الأبدي السرمدي . جعلنا الله ممن أيده الحق لسلوك طريق الفناء ، ووفقهم لإفناء ما يعقوهم عن شرف اللقاء ، إنه سميع مجيب .