Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-178)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما اختلف الناس في أمر القبلة واهتموا بشأنها ، بأن حصر البر والخير كل فيها ، أشار سبحانه إلى تخطئتهم ، ونبه على البر الحقيقي والخير الذاتي بقوله : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } أي : الخصلة السنية والأخلاق المرضية مجرد { أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } مثلاً ، بل اتصاف بالعزائم ، والحكمة المترتبة على تشريع القبلة { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } الحقيقي { مَنْ آمَنَ } صدق منكم { بِٱللَّهِ } المنشئ لكم من كتم العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعد لجزاء الأعمال { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ } المهيمنين الوالهين في مطالعة جمال الله ، المستغفرين لمن آمن وعمل صالحاً من عباده { وَٱلْكِتَابِ } المبين لكم طريق الهداية { وَٱلنَّبِيِّينَ } المبعوثين إليكم به ؛ ليرشدكم إلى مقاصده . { وَ } بعدم ما آمن بما ذكر { آتَى ٱلْمَالَ } المانع من التوجه الحقيقي ، وأنفقه { عَلَىٰ حُبِّهِ } سبحانه طالباً لرضاه ، وأنقه على المحتاجين أولاً هم { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إليه من قبل أبويه { وَٱلْيَتَامَىٰ } الذين لا متعهد لهم من الوالدين وذوي القربى { وَٱلْمَسَاكِينَ } الذين أسكنهم الفقر العارض لهم من عدم مساعدة آلات الكسب والحوادث الأُخر { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } الغرباء الذين لا يمكنهم التصرف في أموالهم لوقوع البون والمبين { وَٱلسَّآئِلِينَ } الذين ألجأهم الاحتياج مطلقاً إلى السؤال من أي وجهٍ كان { وَفِي ٱلرِّقَابِ } من الأسرى الموثقين في يد العدو ، والمكاتبين الذين لا يقدرون على فك رقابهم من مواليهم وغير ذلك من المضطرين { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ } أي : دوام الميل والتوجه بجميع الأعضاء والجوارح نحوه تعالى في جميع الأوقات ، خصوصاص في الأوقات التي تفرض فيها التوجه { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } المفروضة المقدرة في كتاب الله . { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } كلهم من خيار الأبرار { وَ } بشر من بينهم يا أكمل الرسل { ٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ } أي : الفقر المكسر للظهر { وٱلضَّرَّآءِ } المرض المسقم للجسم { وَ } خصوصاً الغزاة الذين صبروا { حِينَ ٱلْبَأْسِ } من اقتحام العدو بالإنعامات العلية والكرامات السنية { أُولَـٰئِكَ } الأبار الأحرار الصابرون في البلوى ، المرجون لرضا المولى على أنفسهم هم { ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في أقوالهم وأصلحوا في أفعالهم ، وأخلصوا في نياتهم { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ البقرة : 177 ] المحفوظون عن جميع ما ضيق عليهم في أمور الدين ، الوصلون إلى مرتبة الحقيق واليقين . رب اجعلنا منهم بلطفك وكرمك يا أرحم الراحمين . ثم ناداهم سبحانه إصلاحاً لهم فيما يقع بينهم من الوقائع الهائلة ، والفتن العظيمة الحادثة من ثوران القوة الغضبية ، وطغيان الحمية الجاهلية ، المؤدية إلى قتل البعض بعضاً ظلماً وعدواناً فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم وتوحيدكم المحافظة بزجر النفس الأمارة بالسوء عن مقتضياتها المنشعبة من القوى البشرية ، وإن وقع فيكم أحياناً فاعلموا أنه { كُتِبَ } فُرض { عَلَيْكُمُ } في دينكم { ٱلْقِصَاصُ } بالمثل { فِي ٱلْقَتْلَى } المقتولين عمداً فيُقتل { ٱلْحُرُّ } القاتل { بِالْحُرِّ } المقتول { وَ } كذا { ٱلْعَبْدُ } القاتل { بِٱلْعَبْدِ } المقتول ، وبالحر وبالطريق الأولى { وَ } كذا يُقتل { ٱلأُنثَىٰ } القاتلة حرة كانت أو أمة { بِٱلأُنْثَىٰ } المقتولة أيضاً ، كذلك لنظيرتها قياساً على الحر ةالعبد ، والأمة بالحرة بالطريق الأولى ، وكذا بالذكرين مهما وافى قتل الحر ، والحرة بالعبد والأمة ، فقد خولف فيه ، الظاهر أنه لم يقتل . { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ } أي : للجاني والقاتل من المحقوق والسهام المشتركة بين الغرماء الطالبين منه قصاص أخيه المسلم المقتول بيده ظلماً { مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } قليل من الحقوق المذكورة { فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : فالحكم لازم عليكم في دينكم أيها الغرماء متابعة المعروف المستحسن عند الله وعند المؤمنين والرجوع إلى الدية وعدم القصاص { وَ } عليك أيها الجاني { أَدَآءٌ } أي : أ داء الدية التي هي فدية حياتك { إِلَيْهِ } أي : إلى و لي المقتول { بِإِحْسَانٍ } معتذراً نادماً متذللاً على وجه الانكسار بلا مطل وكسل { ذٰلِكَ } أي : سقوط القصاص بعد عفو البعض ولزوم الدية يدله { تَخْفِيفٌ } لكم أيها المؤمنون وإصلاح لحالكم { مِّن } قبل { رَّبِّكُمْ } أمَّا التخفيف بالنسبة إلى الغرماء فبتسكين القوة الغضبية ، وتليين الحمية العصبية بالمال المسرة لنفوسهم بعد وقوع ما وقع ، وأمَّا بالنسبة إلى الجاني فظاهر لإبقاء الحياة بالمال { وَرَحْمَةٌ } نازلة لكم من ربكم لتصفية كدورتكم الواقعة بينكم بواسطة القتل { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ } منكم وتجاوز عن الحمم { بَعْدَ ذٰلِكَ } المذكور بأن قتل الغرماءُ الجاني بعد عفو البعض وأخذ الدية ، أو امتنع الجاني عن أداء الدية على الغرماء { فَلَهُ } أي : لكل من المعتدين { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ البقرة : 178 ] يؤاخذون في الدنيا بما صدر عنهم ، ويعاقبون عليها في الآخرة .