Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 65-71)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكيف لا تكونون من الخاسرين الناقضين للعهود ، وأنتم قوم شأنكم هذا { وَ } الله { لَقَدْ عَلِمْتُمُ } وخفظتم قصة { مِنْكُمْ فِي } تجاوزوا عن العهد { ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ } زمن داود عليه السلام واصطياد يوم { ٱلسَّبْتِ } ذلك أنهم سكنوا على شاطئ البحر بقرية ، يقال لها : أيلة ، وكان معاشهم من صيد البحر فأرسل الله عليهم داود عليه السلام ، فدعاهم فآمنوا له ، وعهد الله معهم على لسان داود بألاَّ يصطادوا في يوم السبت ، بل تعينوها وتخصصوها للتوجه والتعبد ، فقبلوا العهد وكانت حيتان البحر بعد العهد يحضرون في يوم السبت على شاطئ البحر ويخرجن خراطيمهن من الماء ، ولما مضى عليها زمان احتالوا لصيدها بأن حفروا حياضاً وأخاديد على شاطئ البحر وأحدثوا جداول منه إليها ، فلما كان يوم السبت يفتحون الجداول ويرسلون الماء في الحياض واجتمعت الحيتان فيها ، وفي يوم الأحدا يصطادونها منها ، ونقضوا عهد الله بهذه الحيلة ، قال الله تعالى : لما أمهلناهم زماناً ظنوا أنهم خادعوا ثم انتقمنا منهم { فَقُلْنَا لَهُمْ } إذا أفسدتم لوازم الإنسانية ؛ أي : العهود والتكاليف أفسدنا أيضاً إنسانيتكم { كُونُواْ } صيروا في الساعة { قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] مهانين مبتذلين ، فسمخوا عن لوازم الإنسانية من العلم والإرادة والمعرفة والإيمان ، ولحقوا بالبهائم بل صاروا أسوأ حالاً منها . { فَجَعَلْنَاهَا } أي : قصة مسخهم وشأنهم { نَكَالاً } عبرة { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } من الحاضرين المشاهدين حالهم وقصتهم { وَمَا خَلْفَهَا } ممن يوجد بعد من المذكرين السامعين قصتهم وتاريخهم { وَمَوْعِظَةً } وتذكيراً { لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 66 ] الذين يحفظون نفوسهم دائماً عن أمثالها . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين من سوء معاملة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام وقبح صنيعهم معه ، ومجادلتهم بما جاء به من عند الله جهلاً وعناداً ليتنبهوا ويتفطنوا على أن الإيمان بنبي يوجب الانقياد والإطاعة له ، وترك المراء والمجدالة معه والمحبة والإخلاص معه ، وتفويض الأمور إليه وهو إلى الله ؛ ليتم سر الربوبية والعبودية والنبوة والرسالة والتشريع والتكاليف والتوسل والتقرب والوصول ، وذلك { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } حين حدثت الفتنة العظيمة بينهم وهي : إنه كان فيهم رجل من صناديدهم له أموال وضياع وعقار كثيرة ، وله ابن واحد وبنوا أعمام كثيرة ، فطمعوا في أمواله فقتلوا ابنه ليرثوه ، وطرحوه على الباب ، فأصبحوا صائحين فزعين يطالبون القاتل ، فأراد الله تفضيحهم وتشهيرهم ، فأمر موسى بأن قال لهم : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } فلما سمعوا قوله استبعدوه وتحيروا في أمرهم ومن غاية استبعادهم { قَالُوۤاْ } على طريق المعاتبة : { أَ } تعتقد أنت يا موسى الداعي للخلق إلى الحق { تَتَّخِذُنَا هُزُواً } أي : تأخذنا باستهزاء وسخرية ونحن محل استهزائك مع أنه لا يلي بك وبنا { قَالَ } موسى مستبعداً ومستعيذاً : { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ البقرة : 67 ] المستهزئين بالناس ، بل ما أتبع إلا ما يوحى إلي . فلما سمعوا استبراءه واستعاذته خافوا من الابتلاء فأوجس كلامهم خيفة في نفسه ، لكونهم خائنين ، واشتغلوا بتدبير الدفع ، وشاوروا وأقر رأيهم على أن نووا في نفوسهم تلك البقرة المخصوصة المعلمة المعلومة عندهم بالشخص ، وبعد ذلك سألوه عن تعيينه بأن { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } أكبير أم صغير ؟ { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ } كبير في السن { وَلاَ بِكْرٌ } صغير فيه بل { عَوَانٌ } متوسط { بَيْنَ ذٰلِكَ } الصغر والكبر استكمل النمو ولا تميل إلى الذبول ، وإذا تحققتم { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } [ البقرة : 68 ] . ثم لما ازداد خوفهم من الفضيحة بنزول الوحي متعاقبة زادوا في الاستفسار عن التعيين مكابرة وعناداً وتسويفاً حيث { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } من الألوان المتعارفة المشهورة حتى نذبحها { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ } أصيل في الصفرة كأنه وضع اسم الصفرة بإزائها أولاً { لَّوْنُهَا } كلون ذهب { تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } [ البقرة : 69 ] والسرور عبارة عن الانبساط والانتعاش الحاصل للقلب عند الفراعنة عن جميع الشواغل ، وفي تلك الحالة يتعجب عن كل ذرة بل عن نفسه ، ويؤدي تعجبه إلى التحير ، فإذا تحير غرق في بحر لا ساحل له ولا قعر ، أدركنا يا دليل المتحيرين . ثم لما جزموا الإلجاء وقطعوا النظر عن الخلاص ، كابروا وعنادوا أيضاً مبالغين فيها حيث { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } أي : ما هويتها وهيئتها الشخصية المعينة ، وقل : { إِنَّ ٱلبَقَرَ } المأمور به { تَشَابَهَ عَلَيْنَا } واستوصفناه منك وصفتها بالصفات المشتركة العامة { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } تعيينه وتشخيصه لنا { لَمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 70 ] بذبحها . { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } عجف مهزول بسبب أنها { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } تقلبها للزراعة { وَلاَ } ذلول بسبب ذلتها إنها { تَسْقِي ٱلْحَرْثَ } بالدلو والسقاية بل { مُسَلَّمَةٌ } من صغرها عن أمثال هذه المذلات { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } لا علامة في أعضائها من ضرب العود والسوط وغيرها ، بل تأكل وتمشي هوناً بلا مصرف ومراع ، ولما بالغوا في الاستفسار إلى أن بلغوا ما نووا في نفوسهم ألزموا وأفحموا و { قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } الثابت الكائن في الواقع وفي نيتنا واعتقادنا . حكي أن شيخاً صالحاً من صلحائهم كانت له هذه العجلة المتصفة بهذه الصفات ، فذهب بها إلى " أيلة " فأودعها عند الله وقال : اللهم إني استودعتها عندك لولدي حتى يكبر ، ثم مات الشيخ وكانت تلك البقرة في حمى الله وحفظه حتى كبر الولد وحدثت تلك الفتنة فيما بينهم ، فأمر الله بذبح تلك البقرة على سبيل الإلجاء ، فاشتروها بملء مسكها ذهباً { فَذَبَحُوهَا } ملجئين مكرهين { وَ } لولا إلجاؤها إياهم وإكراهنا لهم { مَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] لخوف الفضيحة وغلاء الثمن .