Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-9)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ طسۤمۤ } [ الشعراء : 1 ] يا طالب السعادة والسيادة المؤبدة المخلدة ، ويا طاهر الطينة والطوبة من أدناس الطبيعة البشرية ، ويا سالم السر والسريرة من العلائق الناسوتية البشرية ، ويا ماحي آثار الرذائل المكدرة لصفاء شراب التوحيد . { تِلْكَ } الآيات العظام المذكورة في هذه السورة { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي : من جملة آيات القرآن { ٱلْمُبِينِ } [ الشعراء : 2 ] المبين المظهر لدلائل التوحيد ، الموضح للبينات والبراهين القاطعة الدالة على حقية دينكن إنما أنزلناها يا أكمل الرسل تأييداً لأمرك وتعظيماً لشأنك ، فلك أن تبلغها على قاطبة الأنام وعامة المكلفين على الوجه الذي تُلي وأُوحي إليك بلا التفاتٍ منك إلى إيمانهم وكفرهم ، وتصديقهم وتكذيبهم ، بل ما عليك إلا البلاغ وعلينا الحساب . إلاَّ أنك من فرط محبتك لإيمانهم بك وبدينك وكتابك { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ } هالك قاتل { نَّفْسَكَ } تحسراً وتحزناً { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] أي : لأجل ألاَّ يكونوا مصدقين لك ولدينك وكتابك ، مع أنَّا لا نريد إيمانهم وهدايتهم ، بل مضى في قضائنا وثبت في حضرة علمنا كفرهم وضلالهم ، وما يبدل القول لدينا ، ولا يغير حكمنا . بل { إِن } أي : إن تعلق إرادتنا ومشيئتنا لإيمانهم { نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } ملجئة لهم إلى الإيمان والتصديق { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } أي : صارت حين نزول الآية الملجئة أعناقهم التي هي أسباب كبرهم وخيلائهم من كمال الإطاعة والانقياد { لَهَا } أي : للآية الملجئة النازلة { خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] منكوسين منكسرين منخفضين ، بحيث لا يتأتى لهم الإعراض عنها والتكذيب بها أصلاً . { وَ } متى لم تتعلق مشيئتنا لم يؤمنوا ، بل { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ } أي : عظةٍ وتذكيرٍ نازلٍ { مِّنَ } قِبَل { ٱلرَّحْمَـٰنِ } تفضلاً عليهم { مُحْدَثٍ } مستبدعٍ على مقتضى الأعصار والأزمان ؛ لإصلاح نفوس أهلها من المفاسد والضلال { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ } أي : عن الذكر المحدث { مُعْرِضِينَ } [ الشعراء : 5 ] منصرفين ؛ لعدم تعلق مشيئتنا بقبولهم ، بل إنما إرسلنا يا أكمل الرسل إليهم ، وأمرنا بدعوتهم و تبليغهم ؛ ليتعظ ويتذكر منهم ممن سبقت له العناية الأزلية من خلَّص عبادنا ، وتعلقت إرادتنا بهدايتهم ورشدهم في أصل فطرتهم واستعدادهم ، وبعدما بلغت إليهم الذكر والعظة المهذِّبة لقلوبهم عن رين الكفر والشرك العارض لهم من قبل آبائهم وأسلافهم سمعوا سمع قبولٍ ورضاءٍ ؛ إذ كل ميسر ، موفق لما خلق له . وأمَّا المجبولون على فطرة الشقاوة ، المطبوعون على قلوبهم بغشاوة الغفلة والضلال { فَقَدْ كَذَّبُواْ } بها حين سمعوها ، ولم يقتصروا على تكذيبها فقط ، بل استهزؤوا بها وبك يا أكمل الرسل عتواً واستكباراً ، فلا تلتفت إليهم ولا تبالِ بهم وبإيمانهمم { فَسَيَأْتِيهِمْ } عن قريب { أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الشعراء : 6 ] فظره حينئذٍ أحق حقيق بأن يُنقاد ويُتبع ، أم هو باطل يجب تكذيبه والانصراف عنه ؟ ! . وكيف ينكرون بآياتنا الدالة على كمال قدرتنا وحكمتنا ، أولئك المعرضون عناداً ومكابرةً ؟ ! { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } ولم ينظروا ويتفكروا حتى يعتبروا ، مع أنهم من أهل النظر والاعتبار { إِلَى } عجائب { ٱلأَرْضِ } اليابسة الجامدة { كَمْ أَنبَتْنَا } من كمال قدرتنا ووفور حكمتنا { فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } أجناس كثيرة من النباتات والحيوانات والمعادن و غير ذلك مما لا اطلاع لهم عليه ؛ إذ ما يعلم جنود ربك إلا هو ، { كَرِيمٍ } [ الشعراء : 7 ] كلها ذوي الكرامات و البركات ، والمنافع والخيرات . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : في إنبات كل من أنواع النبات ، وإخراج كل من أصناف الحيوانات ، وأجناس المعادن منها { لآيَةً } بينة واضة ، قاطعة دالة على أن منبتها ومخرجها متصف بجميع أوصاف الكمال ، ونعوت الجمال والجلال ، فاعل بالاختيار والاستقلال بلا مزاحمة الأشباه والأمثال { وَ } هي وإن كانت في غاية الوضوح والجلاء ، لكن { مَا كَانَ } وثبت { أَكْثَرُهُمْ } أي : أكثر الناس { مُّؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 8 ] موفقين على الإيمان والتوحيد في علم الله ولوح قضائه ؛ لذلك لم يؤمنوا بالآيات العظام ، ولم يستدلوا منها إلى وجود الصانع الحكيم العلام القدوس السلام ، المنزَّه ذاته عن طريان التقضي والانصرام . { وَ } إن كذبوك يا أكمل الرسل بما جئت من الآيات العظام ، وعاندوا معك لا تبالِ لهم ولا تحزن { إِنَّ رَبَّكَ } الذي رباك بأنواع الكرامات { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب المقتدر على البطش والانتقام { ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 9 ] الحليم الذي لا يعجِّل العذاب وإن استوجبوا ، بل يمهلهم زماناً ؛ لعلهم يتنبهون على ما فرطوا من سوء المعاملة مع الله ورسوله وآياته فيتوبوا نادمين ضارعين خاشعين .