Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 169-173)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما بيَّن سبحانه جرائم المؤمنين يوم أُحد ، وذلتهم ومتابعتهم للمنافقين في التخلف عن رسول الله ، والميل إلى الغنيمة ، وترك المركز مع كونهم مأمورين على خلافها ، أراد أن ينبه عليهم سرائر الغزو والشهادة فيه ، وبذل المهج في سبيله ، فقال مخاطباً لرسوله على طريق الكف والنهي ؛ لينبه من يقتدي به من المؤمنين ؛ لأن أمثال هذه الخطابات والتنبيهات إنما يليق لمن وصل إلى ذورة مسالك التوحيد ، وتحقق بنهاية مراتب التجريد والتفريد بقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } باذلين أرواحهم في طريق الفناء ؛ ليفوزوا بشرف البقاء { أَمْوَاتاً } منقطعين عن الحياة والحركة ، كالأموات الأخر { بَلْ } هم { أَحْيَاءٌ } ذو أوصاف وأسماء أزلية أبدية ، مقربين بها { عِندَ رَبِّهِمْ } الجامع لجميع الأوصاف والأسماء { يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] بها من عنده . { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ } من موائد المعرفة والإحسان بواسطتهما { مِن فَضْلِهِ } دائماً ، خالدين فيها { وَ } مع تلك اللذة والفرح { يَسْتَبْشِرُونَ } يطلبون الباشرة والشفاعة من الله { بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } من إخوانهم الذين بقوا من خلفهم في دار الدنيا التي هي دار الخوف والعناء ، محل الخطر الفناء ، قابلين لهم منادين ، منبيهن أن { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لم يحلقوا بنا { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ آل عمران : 170 ] لم يخلصوا عن الدنيا ولوازمها . بل { يَسْتَبْشِرُونَ } دائماً لأنفسهم ولإخوانهمه { بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } جزاء لما جاهدوا في سيله وفضل مع عطاء منه ، وامتناناً عليهم من لطفه { وَ } اعلموا أيها العاملون ؛ لرضاء الله ، المجاهدون في سبيله { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 171 ] الذين بذلوا جهدهم في محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم خصوصاً . { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } طلبوا الإجابة { للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } حين دعاهم الله ورسوله إلى المقاتلة { مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ } من العدو بلا مماطلة وتسويف ، بل رغبتهم أشد من الكرة الأولى . وذلك أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من المدينة ، فبلغوا الروحاء ندموا وقصدوا الرجوع ؛ ليستأصلوهم ، فبلغهم الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج في طلبهم ، وقال : لا يخرج معنا اليوم إلا من كان معنا أمس . فخرج صلى الله عليه وسلم مع جماعة من المؤمنين حتى بلغوا حمراء الأسد ، وهي على ثمانية أميال من المدينة ، وكان بأصحابه الفرح والسرور ، متلهفين ، متحسرين للشهادة ، مشتوقين إلى مرتبة إخوانهم الذين استشهدوا في سبيل الله ، فمر بهم معبد الخزاعي ، وكان مشركاً يومئذ ، فقال : يا محمد ، لقد عز علينا ما أصابك وأصاحبك ، ثم خرج فلقي أبا سفيان بالروحاء ، فقال له أبو سفيان : ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد قد خرج مع أصحابه ، يطلبونكم على مهور لم أر مثلهم في الجراءة أحداً ، يتحرقون عليكم تحرقاً لو لقيتم ، قال أبو سفيان : ويلك ! ما تقول ؟ قال : والله ، ما أراك تحل حتى ترى نواحي الخيل ، قال : فوالله لقد أجمعنا للكرة عليهم ؛ لنستأصل بقيتهم ، قال : فإني والله ، أنهاك عن ذلك . فألقى الله الرغب في قلوبهم ، فرجعوا مستوحشين منهم ، لذلك قال سبحانه في حق المؤمنين { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } ببذل المهج في سبيل الله ، بالخروج مع رسوله { مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ } عن مخالفة أمر الله ورسوله { أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 172 ] لا أجر أعظم منه ، وهو الفوز بالبقاء الأيدي والحياة السرمدية ، وهم من كمال إيمانهم بهم . { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } المخبرون لهم ، ترحماً وتحذيراً : { إِنَّ ٱلنَّاسَ } يعني : أبو سفيان وأصحابه { قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } ليكروا عليكم ويستأصلوكم { فَٱخْشَوْهُمْ } حتى لا يلحقكم شر العدو ثانياً { فَزَادَهُمْ } قول المخبرين { إِيمَاناً } إطاعة وانقياداً وتسليماً وإحساناً { وَقَالُواْ } في جوابهم من غاية رضاهم ونهاية تفويضهم : { حَسْبُنَا ٱللَّهُ } وكافينا ، يكفينا عنايته لنا في حياتنا ومماتنا { وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [ آل عمران : 173 ] هو لمصالحنا ، نفوض أمورنا كلها إليه ، نعتصم به من سخطه وغضبه .