Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 198-200)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } عن الاشتغال بزخرفة الدنيا وأمتعتها ، منيبين إليه ، متوجهين نحوه { لَهُمْ } عنده { جَنَّاتٌ } منتزها من اللذة الروحانية { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من العلوم الدينية { خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } حين وصلوا إليه { وَ } اعلموا أيها المؤمنون { مَا عِندَ ٱللَّهِ } من المثوبات المستمرة واللذات الدائمة { خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } [ آل عمران : 198 ] المتوجهين إلى دار القرار . { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } المنزل للكتب المرسلة للرسل { وَ } لا يفرق بين الكتب والرسل أصلاً ، بل يؤمن بجميع { مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن والرسول الذي هو سيدنا محمد عليه السلام { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } من التوراة والإنجيل ، المنزلين على موسى وعيسى - عليهما السلام - وكذا على سائر الكتب المنزلة من عنده ؛ لتحققهم في مقام العبودية والتوحيد ، وهم في هذا الإيمان والإذعان { خَٰشِعِينَ للَّهِ } مخلصين له . وعلامة خشوعهم وإخلاصهم أنهم { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي : بتبديلها { ثَمَناً قَلِيلاً } من الرشى ، مثل أحبار اليهود ومتفقهة هذه الأمة في هذا العصر - خذلهم الله - وهم الذين يحتالون في أحكام الشريعة الغراء على مقتضى هويتم الفاسدة ، ويأخذون الرشى ؛ لأجل حيلهم الباطلة ، ويسمونها حيلة شرعية ، كأنه ظهر ما قال صلى الله عليه وسلم : " بدأ غريباً ، وسيعود غريباً " ، { أُوْلـٰئِكَ } المخلصون ، الخاشعون { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } يوفيهم أجورهم من حيث لا يحتسبون { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } آل عمران : 199 ] يحاسب أعمالهم ، ويجازيهم عليها سريعاً ، بل يزيد عليهم ؛ تفضلاً وامتناناً . { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله ، مقتضى إيمانكم الصبر على متاعب مسالك التوحيد { ٱصْبِرُواْ } على مشاق التكليفات الواقعة فيها { وَصَابِرُواْ } عالبوا على القوى النفسانية العائقة عن الرياضات المزكية للأهوية الفاسدة { وَرَابِطُواْ } قلوبكم على المشاهدات والمكاشفات الواردة من النسمات الإلهية والنفسات الرحمانية { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } عن جميع اما يعوقكم ويشغلكم { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 200 ] تفوزون منه بما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ربنا أفرغ علينا صبراً ، وتوفنا مسلمين ، واحشرنا مع الصابرين المرابطين ، هب لنا من لدنك رحمة إنك أرحم الراحمين . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المترصد لفيضان الكشف والشهود واليقين ، ونزول الاطمئنان والتمكين أن تتصبر بما جرى عليك من المصيبات والبليات المشعرة للاختبارات الإلهية ، وابتلائه عن رسوخ قدمك في جادة التوحيد ، وصدق عزيمتك في مسلك الفناء ، وعلو همتك في التحقق بدار البقاء . وتربط قلبك بحقك الذي هو أصلك وحقيقتك ، مقبلاً عليه ، متوجهاً إليه ، مجتنباً عن جميع ما يعوقك عنه من لوازم ماهيتك وهويتك التي لا حقيقة لها عند التحقيق والإقرار لما يترتب عليها وعلى لوازمها ؛ إذ هي أعراض متبدلة ، وأظلال باطلة ، وإعدام صرفة زائلة لا تحقق لها ، ولا آثار لها أصلاً سوى أن الوجود الحق انبسط عليها ، وامتد إليها بجميع كمالات ، فانعكس منه فيها ما انعكس ، فيتراءى العكوس والأظلال مشعشعة متجددة دائماً بمقتضى تجدد تجليات الأوصاف والأسماء ، فظن المحجوبون أنها متناصلات ، وهي عند التحقيق تجلٍ واحد على هذا المنوال . ارزقنا بلطفك حلاوة معرفتك وتوحيدك . فلك أن تصفي ضميرك عن جميع ما يؤدي إلى التقليد والتخمين ، وتفرغ خاطرك وسترك عن كل ما يوهم التعدد والكثرة ، حتى انشرح صدرك واتسع قلبك ؛ لتصيرمنزلاً لسلطان الوجود الذي هو منبع جميع الكمالات والجود ، وقبلة الواجد والموجود ، والحوض المورود ، والمقام المحمود . وإياك إياك أن تقتضي أثر وساوس مقتضيات نفسك التي هي أعدى عدوك ، وأشد ما يغويك ويضلك ، بل جميع شياطينك إنما انتشأت منها ، واستتبعت عليها ، فعليك أن تلتجئ في الاجتناب من غوائلها بالرشد الكامل الذي هو القرآن المنزل من عند الله على خير الأنام ، المؤيد من عند العليم العلاَّم ؛ ليهدي المضلين جادةَ التوحيد عن متابعة الشيطان المَريد ، ويوصلهم إلى صفاء التجريد وزلال التفريد بتوفيق من الله وجذبٍ من جانبه . وفقنا بلطفك وكرمك بما تحب عنا وترضى .