Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 33-34)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } المجبولون على الكفران والنسيان ، المشغولون عن البغي والعدوان { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } الذي أظهركم من كتم العدم ولم تكونوا شيئاً مذكوراً ، واحذروا عن بطشه وانتقامه ، فإن بطشه شديد ، وعذابه لعصاة عباده أليم مزيد { وَٱخْشَوْاْ يَوْماً } وأي يوماً { لاَّ يَجْزِي } أي : لا يقضي ولا يسقط ولا يحمل { وَالِدٌ } مع كمال عطفه ورأفته { عَن } وزر { وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } بل كل نفس حينئذٍ رهينة ما كسبت ، ضمينة ما اكتسبت بمقتضى ما وعد الله لها وككتب ، وبالجملة : { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي وعده لعباده { حَقٌّ } لا ريب في إنجامه ، ولا خلف في وقوعه { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ } أيها المجبولون على الغفلة والغرور { ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } يتغريرها وتلبيساتها من مالها وجاهها ، ولذاتها الفانية الغير القارة { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ } عفوه وغفرانه ، وسعة رحمته وجوده { ٱلْغَرُورُ } [ لقمان : 33 ] أي : الشيطان المبالغ في الغرور والتغرير بأن يجبركم على المعاصي اتكالاً على عفو الله وغفرانه . ثمَّ لمَّا أتى الحرث بن عمرو رسول الله صلى للعلهي وسلم فقال : متى تقوم الساعة ، وأني قد ألقيت بذراً على الأرض فمتى تمطر السماء ، وامرأتي ذات حمل حملها ذكر أم أنثى ، وما أعمل غداً ، وأين أموت ؟ فنزلت { إِنَّ ٱللَّهَ } المستقل باطلاع الغيوب { عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } وقت قيامها ، ولم يطلع أحداً عليها سوى أنه سبحانه أخبر بوقوعها وقيامها في جميع الكتب المنزلة من عنده على رسله { وَ } أيضاً هو { يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } ولم يُطلع أحداً بوقت نزوله { وَيَعْلَمُ } أيضاً سبحانه { مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } ولم يُطلع أحداً عليه { وَ } أيضاً { مَا تَدْرِي } وتعلم { نَفْسٌ } من النفوس { مَّاذَا تَكْسِبُ } وتعمل { غَداً } وإن تدبرت وتدربت ، وبذلت جهدها وسعيها لا تفوز إلى دراية أحوال غدها ، بل هو أيضاً من جملة المغيبات التي أحاط بها علمه سبحانه بلا اطلاع أحد عليها { وَمَا تَدْرِي } وتعلم { نَفْسٌ } أيضاً ، وإن بالغت في السعي وبذل الجهد والطاقة { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } بل هو أيضاً من جملة الغيوب التي استأثر الله بها ، بالجملة : { إِنَّ ٱللَّهَ } المستقل بالألوهية والربوبية ، المستجمع لجميع أوصاف الكمال { عَلَيمٌ } لا يعزب عن حيطة حضرة علمه ذرة { خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] لا يخرج عن حيطة خبرته طرفة ، وإن كان لا يكتنه علمه وخبرته ، والله أعلم بحقائق أسمائه وصفاته ، ودقائق معلومات ، ورقائق آثاره ومصنوعاته المترتبتة عليها . ربنا ذرنا بفضلك وجودك علماً تنجينا عن الجهل بك وبأسمائك وأوصافك ، إنك على ما تشاء قدير . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المتحقق بمقام التوحيد ، والمتمكن في مقعد الصدق ، خالياً عن إمارة التخمين والتقليد ألاَّ تتأمل ولا تتمنى في نفسك حصول ما لا يسع في وسعك وطاقتك من الأمور التي ليست في استعدادك وقابليتك حصولها وانكشافها دونك ؛ إذ الإنسان وإن سعى ، بذل جهده في طريق العرفان بعدما وفقه الحق وجذبه نحوه لا يبلغ إلاَّ التخلق بأخلاقه الله والفناء في ذاته ، منخلعاً عن لوازم ناسوته بقدر ما يتمكن له ، ويسع فيب قابليته واستعداده . وأمَّا الاطلاع على جميع معلوماته سبحانه ، والانكشاف بالمغيبات التي استأثر الله به في غيب ذاته فأمر لا يحوم حوله إدراك أحد من الأنبياء والرسل ، والكمَّل من أرباب الولاء والمحبة الخالصة ، بل لا يتفوه به أحد من خلَّص عباده أصلاً ؛ إذ هو خارج عن استعداداتهم مطلقاً ، وما المعجزات والكرامات الخارقة للعادة الصادرة عن خواص عباد الله من الأنبياء والأولياء ، فما صدرت أيضاً منهم هذه الأمور إلا بإطلاع اليه إياهم ، وتوفيقهم عليها ، وهم مجبورون مضطرون في ظهور أمثال تلك الكرامات عنهم ، مع أن بعض أرباب المحبة والولاء الوالهين بمطالعة جمال الله وجلاله تحزنوا ، وتغمموا عند ظهور أمثال هذه الخوارق منهم ؛ لمنافاتها بصرافة استغراقهم ، كما تشاهد من بعض بدلاء الزمان ، أدام الله بركته على معارف أهل الإيمان والعرفان . وبالجملة : لا بدَّ أن يكون الموحد متمسكاً بحبل الرضا والتسليم بما جرى عليه من صلوجان القضاء بلا تطلب منه وترقب له . جعلنا الله ممن تمكن بمقام الرضا ، ورضي بجميع ما أثبت له الحق في لوح القضاء .