Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 62-74)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال سبحانه : { أَذَلِكَ } المذكور من الرزق المعلوم واللذة المسترة والنشر الدائم بلا صداع ولا خمار ، والحياة الأبدية والمسرة السرمدية { خَيْرٌ نُّزُلاً } لأهل الجنة { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } [ الصافات : 62 ] لأهل النار ، هي ثمرة شجرة مرة كريهة الرائحة والطعم ، يستكرهه طباع أهل النار ، إلا أنهم يتناولون منها للضرورة . ثم لما عبر سبحانه عن نزل أهل الجحيم بالزقوم ، فسمعها كفار أهل مكة ، قالوا : كيف يكون في النار شجرة ، ومن شأنها إحراق ما يجاروها ؟ ! . فاستهزءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش : إن محمداً يخوفنا بالزقوم ، والزقوم بلسان بربر : الربد والتمر ، فأدخلهم أبو جهل في بيته ، فقال يا جارية زقيمنا ، فأتتهم بالزبد والتمر ، فقال : تزمقوا ، فهذا ما يوعدكم به محمد صلى الله عليه وسلم . رد الله سبحانه قولهم واستهزاءهم بقوله : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا } أي : الشجرة المذكورة { فِتْنَةً } وابتلاء { لِّلظَّالِمِينَ } [ الصافات : 63 ] وسبباً لازدياد العذاب وتشديد النكال عليهم ؛ إذ هم يتقاولون فيهم ويحملونها إلى لغة أخرى ، ويتخذون لها محملاً جيداً ، ويستهزئون بسببها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فيستحقون أسوأ العذاب والعقاب ، ويطمعون منها حين دخولهم في النار . { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ } وتنبت { فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 64 ] أي : منبتها في قعرها وأغصانها في دركاتها . { طَلْعُهَا } أي : ثمرتها التي تطلع منها أو تحصل { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] في القبح والهجنة ، هذا من قبيل التشبيه المحسوس بالمتخيل ، كتشيبه الطيور الحسنة بالملائكة ؛ يعني : يستكره من رؤيتها الطباع استكراهها من رءوس المردة من الجن المصورة على أقبح الصور وأهولها . { فَإِنَّهُمْ } أي : أولئك المنكرون المستهزئون ، وجميع من في النار من الكافرون { لآكِلُونَ مِنْهَا } إذ لا مأكول لهم فيها سواها { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } [ الصافات : 66 ] أي : يملئون بطونهم منها ؛ لشدة الجوع ، أو يجبرون لأكلها ؛ زجراً عليهم وتشديداً لعذابهم ؛ إذ هي أحر من النار وأبرد من الزمهرير . { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ } بعد ما ملئوا بطونهم منها مع كمال حرارتها واشتداد العطش عليهم { عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } [ الصافات : 67 ] أي : لخلطاً ومزاجاً من ماء حار في غاية الحرارة بعد أن يخرجهم الخزنة من الجحيم ، ويوردهم إليها ورود البهائم في الماء ، يشربون منها فيقطع أمعاءهم . { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ } بعد ما أصدرهم ، فأخرجهم الخرنة من الماء { لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 68 ] ألبتة ؛ إذ لا مرجع لهم سواها ، وإنما ابتلوا من العذاب المؤبد والعقاب المخلد . { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ } أي : صادفوا ووجدوا { آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } [ الصافات : 69 ] منحرفين عن سبيل السلامة وجادة الاستقامة التي هي التوحيد والإسلام . { فَهُمْ } أي : هؤلاء الأخلاف بعدما وجدوا أسلافهم كذلك { عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } [ الصافات : 70 ] ويسرعون على الفور ، ويعملون مثل عملهم ؛ تقليداً لهم بلا تدبر وتأمل . { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ } أي : قبل قومك يا أكمل الرسل { أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الصافات : 71 ] من الأمم السالفة . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ } أي : في الأولين الماضين { مُّنذِرِينَ } [ الصافات : 72 ] مثل ما أرسلناك إليهم بالإنذارات البليغة ، فلم يفدهم إنذار أولئك المرسلين كما لم يفد إنذارك إلى هؤلاء المسرفين ، فأخذناهم بغتة واستأصلناهم مرة . { فَٱنظُرْ } أيها المعتبر الخبير { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } [ الصافات : 73 ] بعدما لم ينذروا بالإنذارات البليغة الواصلة إليهم من قبل الرسل ، ولم يتنبهوا منها إلى الطريق المستبين ، انقلبوا ضالين خاسرين صاغرين . { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 74 ] الذين تنبهوا منها إلى الصراط المستقيم ، بل تفطنوا إلى الحق اليقين ، فانصرفوا عن العذاب الأليم إلى النعيم المقيم ؛ لذلك انقلبوا بنعمة من الله وفضل عظيم .