Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-24)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهَلْ أَتَاكَ } وحصل عندك يا أكمل الرسل { نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ } أي : خبر الملكين المكلفين المصورين بصورة الخصمين اللذين جاءوا للحكومة عند أخيك داوود عليه السلام ، حين اعتزل في محرابه للعبادة على ما هو عادته في تقسيم أيامه ثلاثة أقسام : يوم لعيش النساء ، ويوم لقطع الخصومات بين الأنام ، ويوم للتوجه نحو الحق والمناجاة معه سبحانه في محرابه . وكان في محرابه والباب مغلق عليه ، والحراس على الباب فجاءا - أي : الملكان - في صورة رجلين متخاصمين على الباب ، فمنعهما البواب ، فأخذا يستعليان المحراب . اذكر نبأهما وقت { إِذْ تَسَوَّرُواْ } أي : صعدوا على حائط { ٱلْمِحْرَابَ } [ ص : 21 ] واستعلوا على سوره بقصد الدخول عليه . اذكر وقت { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } من غير الباب بأن شُق لهما الجدار ، فدخلا عليه { فَفَزِعَ } داوود { مِنْهُمْ } واستوحش من دخولهم لا من الطريق المعهود ، وبعدما تفرسوا منه الرعب والفزع { قَالُواْ } له تسلية وتسكيناً : { لاَ تَخَفْ } منَّا ، ولا تحزن من إلمامنا إياك ؛ إذ نحن { خَصْمَانِ } تحاكمنا إليك حتى تقضي بيننا ، وقد { بَغَىٰ } أي : ظلم واستولى { بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } أي : أحدنا على الآخر { فَٱحْكُمْ } أيها الحاكم العدل العالم { بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ } أي : بالعدل السوي { وَلاَ تُشْطِطْ } أي : لا تجر ولا تتجاوز عن مقتضى القسط الإلهي { وَ } بالجملة : { ٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } [ ص : 22 ] أي : أعدل الطرق وأقوم السبل في سلوك طريق النجاة . ثم أخذوا في تقرير المسألة ، فقال أحدهما : { إِنَّ هَذَآ أَخِي } في الدين ورفيقي في سلوك طريق التوحيد واليقين { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } وهي الأنثى من الضأن ، كنى بها العرب عن المرأة { وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } فقط ، { فَقَالَ } لي عدواناً وظلماً : { أَكْفِلْنِيهَا } أي : اجعلني كافلاً لها ، مالكاً إياها ، حتى صارت نعاجي مائة ، ولم تبقَ لك نعجة { وَ } لم يقتصر على مجرد القول ، بل { عَزَّنِي } وغلب عليّ { فِي } مضمون { ٱلْخِطَابِ } [ ص : 23 ] المذكور بحجج لا أقدر على دفع ، ولا أسمع المقاومة معه . وبعدما سمع كلام المدعي وتأمل في تقريره ، قال للمدعى عليه : هل تصدقه فيما ادعاه عليك ؟ قال : بلى . ثم التفت عليه السلام نحو المدعي ، متعجباً مستبعداً عما جرى عليه من الظلم والعدوان حيث { قَالَ } : تالله { لَقَدْ ظَلَمَكَ } هذا الظالم ظلماً صريحاً { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ } ليأخذها منك ويضيفها { إِلَىٰ نِعَاجِهِ } ليكثرها بها ويخلطها عليه حرصاً منه إلى تكميل مشتهاة نفسه الأمارة { وَ } لا تستبدع هذا الأمر ، ولا تستبعد منه هذا ، بل { إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } الذين خلطوا أموالهم وتشاركوا فيها { لَيَبْغِيۤ } أي : يظلم ويتعدى { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ظلماً وزوراً { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من الخلطاء بالله ، واستقاموا على صراطه الموضوع من عنده على العدالة الاستقامة { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المرضية عنده سبحانه ، سيما في الأمور المتعلقة لحقوق عباده ، ولكن { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } أي : هم قليل في الدنيا في غاية القلة والندرة ، و " ما " مزيدة لكمال القلة والإبهام . ثم التفت عليه السلام إلى المدعى عليه ، فقال له بعدما سمع منه اعترافه : إن رمت هذا ، ضربنا منك هذا ، إشارة إلى طرف أنفه ، فقال المدعى عليه : أنت أيها الحاكم أحق بذلك الضرب ، فنظر عليه السلام ولم يرَ أحداً { وَ } حنيئذ { ظَنَّ } بل تيقن { دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } وابتليناه بالذنب { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } عما جرى عليه من افتتان الله إياه { وَخَرَّ } ساجداً من خشية الله ، بعدما كان { رَاكِعاً } مكسور الظهر ، منكوس الرأس عن ارتكاب الذنب { وَأَنَابَ } [ ص : 24 ] إلينا على وجه الندم والخجل مستحيياً عنَّا ، مستوحشاً عن سخطنا وغضبنا إياه .