Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 159-162)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أي : ما من جميع من أنزل إليه الكتاب من المسلمين والنصارى واليهود ، وسائر من أنزل إليهم أحدٌ مكلف { إِلاَّ } وقد وجب له ولزم عليه ، إنه { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } أي : بعيسى - صلوات الله عليه وسلامه - حين نزوله ؛ لتقوية دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو جامع لجميع الأديان ؛ لإتيانها على التوحيد الذاتي . وعند ظهوره صلى الله عليه وسلم اتحدت الأديان كلها ، إلا أن المحجوبون لا يفهمون ، مع أن عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - من عجائب صنع الله ، وبدائع مبدعاته ، وغرائب مخترعاته ، ومن أعزة أنبيائه وأجلَّة رسله ، فلا بد أن يكون الإيمان به { قَبْلَ مَوْتِهِ } إذ حُكي في الحديث النبوي : إنه ينزل من السماء ، ويعيش في الأرض زماناً ، ويؤمن له جميع من في الأرض ، ثم يموت قريب الساعة { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ } أي : على جميع من آمن له ، واتبع هداه { شَهِيداً } [ النساء : 159 ] يشهد لهم بالإيمان عند الله . { فَبِظُلْمٍ } خروج عن حدود الله ، ونقض لعهوده صدر وظهر { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ } في كتابهم { طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } فيما مضى { وَ } أيضاً { بِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : إعراضهم عن طريق الحق إعراضاً { كَثِيراً } [ النساء : 160 ] . { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا } من المضطرين أضعافاً مضاعفة { وَ } الحال أنه { قَدْ نُهُواْ عَنْهُ } في دينهم وكتابهم { وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } بلا رخصة شرعية ، مثل : السرقة ، والغضب ، والربا ، والرشوة ، وحيل الفقهاء ، وتزويراتهم التي ينسبونها إلى الشرع الشريف افتراءً ، وتلبيسات أهل التشييخ والتدليس من هذا القبيل ، ومن عِظَم جُرم هؤلاء أسند سبحانه انتقامهم إلى نفسه بقوله : { وَأَعْتَدْنَا } صيَّرها وهيَّأنا { لِلْكَافِرِينَ } الساترين طريق الحق { مِنْهُمْ عَذَاباً } بعيداً ، وطرداً { أَلِيماً } [ النساء : 161 ] مؤلماً ؛ لتحسرهم على مرتبة أهل القرب والعناية . { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } وهم الذين يرتقون من مرتبة العلم إلى العين الحق { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } المصدقون الذين { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } بلا تفريقٍ وتفاوتٍ ؛ إيماناً واحتساباً { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } وهم الذين يديمون الميل بجميع الإعضاء والجوارح ؛ إطاعةً وانقياداً ؛ إذ رجوع الكل إليه { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } وهم الذين يؤتون ما نسب إليهم من زخرفات الدنيا ؛ طلباً لمرضات الله ، وهرباً عن التعلق بغيره { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي : الذين يوقنون بتوحيد الله { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعدّ لثمرة الأعمال الصالحة في طريقه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء ، الأمناء ، الموحدون ، المخلصون { سَنُؤْتِيهِمْ } من لدنا { أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 162 ] هو الفوز بشرف اللقاء . ربنا آتنا من لدنك رحمةً ، إنك أنت الوهاب . ورسوخ الراسخين إنما يحصل من إلهامنا ووحينا وإعلامنا ، وإيقاظنا إياهم من سَنَة الغفلة ونعاس النسيان ، وإرشادنا لهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم من عندنا وذلك سنتنا المستمرة ، وعادتنا القديمة ، لا يحتاج فيها للإلحاح والاقتراح .