Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 61-65)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكيف يستنكفون ويستكبرون عن عبادة الفاعل على الإطلاق ، والمنعم بالاستقلال والاستحقاق مع أنه { ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد ، المتصف بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال ، هو { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } مظلماً بارداً { لِتَسْكُنُواْ } وتستريحوا بلا ضرر وإضرار { فِيهِ } جعل لكم { وَ } لتكتسبوا فيه معايشكم ، وتجمعوا حوائجكم { ٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } المنعم المكرم على عباده { إِنَّ ٱللَّهَ } عظيم وكرامة كاملة شاملة { لَذُو فَضْلٍ } عموم { عَلَى } المجبولين على النسيان والكفران { ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [ غافر : 61 ] نعمه ، ولا يواظبون على أداء حقوق كرمه ، جهلاً منهم بالله ، وعناداً مع رسله الهادين إليه . { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ } الذي أفاض عليكم موائد بره وإحسانه ، وأظهر عليكم مقتضيات ألوهيته وربوبيته { رَبُّكُمْ } الذي رباكم بأنواع اللطف والكرم ، بعدما أوجدكم من كتم العدم ؛ إذ هو { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ومظهره من العدم إظهاراً إبداعياً بمقتضى اختياره واستقلاله ، فلكم أن تتوجهوا إليه وتتحنثوا نحوه مخصلين ؛ إذ { لاَّ إِلَـٰهَ } يعبد له بالاستحقاق ، ويرجع إليه في الخطول على الإطلاق { إِلاَّ هُوَ } الذات الواحدة الموصوفة بالصفات الكاملة ، المربية لجميع ما في الكون من العكوس والأظلال المنعكسة منها { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ غافر : 62 ] وتنصرفون عن عبادته أيها الآفكون المنصرفون ؟ ! . فأين تذهبون من بابه أيها الذاهبون الجاهلون ، ما لكم كيف تحكمون أيها الضالون المحرومون ؟ ! { كَذَلِكَ } أي : مثل ما سمعت من المجادلة والمكابرة بلا برهان واضح وبيان لائح { يُؤْفَكُ } ويصرف عن طريق الحق عموم المسرفين { ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } ودلائل توحيده { يَجْحَدُونَ } [ غافر : 63 ] وينكرون بلا تأمل وتدبر ؛ لينكشف لهم ما فيها من المعارف والحقائق المودعة فيها ، فكيف تجحدون بآيات الحكيم العليم أيها الجاحدون الجاهلون ، مع أنه سبحانه هو المتفرد بالألوهية والربوبية ؟ ! . إذ { ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد { ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ } أي : عالم الطبيعة والهيولي { قَـرَاراً } تستقرون عليها بمقتضى هويتكم { وَ } رفع لكم { ٱلسَّمَآءَ } أي : عالم الأسماء والصفات { بِنَـآءً } أي : سقفاً محفوظاً رفيعاً ، تستفيضون منها الكمالات اللائقة لاستعداداتكم وقابلياتكم الموهوبة لكم من عنده { وَ } بالجملة : { صَوَّرَكُـمْ } من آباء العلويات وأمهات السفليات { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } بأن خلقكم على أعدل الأمزجة وأحسن التقويم ؛ لتكونوا قابلين لائقين لخلافة الحق ونيابته . { وَ } بعدما صوركم فأحسن صوركم { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } الصورية والمعنوية تقوية وتقويماً لأشباحكم وأرواحكم { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ } الذي سمعتم نبذاً من أوصافه الكاملة ونعمه الشاملة { رَبُّكُـمْ } الذي أظهركم من كتم العدم بمقتضى لطفه ، فأنَّى تصرفون عنه وعن توحيده وعبادته أيها المسرفون الضالون ، مع ألاَّ رب لكم سواه ؟ ! { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد ، العلي ذاته ، الجلي بحسب أسمائه وصفاته { رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ غافر : 64 ] على الإطلاق بالاستقلال والاستحقاق لا يعرضه زوال ، ولا يطرأ له انقراض واتقال . بل { هُوَ ٱلْحَيُّ } الأزلي الأبدي الدائم ، المستغني عن مقدار الزمان ومكيال المكان مطلقاً { لاَ إِلَـٰهَ } في الوجود سواه ، ولا موجود يعبد بالحق { إِلاَّ هُوَ } وبعدما سمعتم أيها المكلفون خواص أسمائه وصفاته سبحانه { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ } واعبدوه مخصصين { لَهُ ٱلدِّينَ } أي : العبادة والانقياد ؛ إذ لا مستحق للإطاعة والعبادة سواه ، وبعدما رجعتم نحوه مخلصلين ، وعبدتم له مخصصين ، قولوا بلسان الجمع : { ٱلْحَـمْدُ } المستوعب لجميع المحامد الناشئة من ألسنة عموم المظاهر ثابت { للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ غافر : 65 ] لانفراده في الألوهية ، واستقلاله في الربوبية بلا توهم الشركة والمظاهرة .