Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 34-38)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال سبحانه على سبيل التعليم والإرشاد لعموم العباد : { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ } أي : لا تستوي جنس الحسنات بل هي متفاوتة في الحسن والبهاء { وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } أي : وكذا لا تستوي جنس السيئات أيضاً بعضها أسوأ من بعض { ٱدْفَعْ } أيها السالك القاصد سلوط طريق التوحيد من جادة العدالة المنكشفة لأكمل افرسل وأفضل الأنبياء الهادين ، المرشدين إلى بحر الوحدة الذاتية من جدوال الأسماء والصفات المترشحة منها حسب تموجاتها وتطوراتها المتفرعة على شئونها الذاتية { بِٱلَّتِي } أي : بالخصلة الحسنة التي { هِيَ أَحْسَنُ } الحسنات أسوأ السيئات ، ودوام عليها ، وتخلق بها حتت تستوي وتستقيم أنت على جادة العدالة الإلهية . وبعد استقامتك وتحققك في هذه المرتبة { فَإِذَا ٱلَّذِي } كان { بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } مستمرة ناشئة من القوى البهيمية من كلا الطرفين ، صار صديقك وخليلك إلى حيث { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ } حفيظ لك ، رقيب على حضانتك عن جميع ما يؤذيك ويرديك ، فكيف يؤذيك ؛ إذ هو { حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] مشفق كريم رءوف ، رحيم لك ، لا يخاصمك أصلاً . { وَ } لكن { مَا يُلَقَّاهَا } أي : الخصلة الحميدة الحسنة التي هي دفع الإساء بالإحسان ، والمكروه بالمعروف ، والقهر باللطف { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي : الأبطال المتحملون الذين صبروا على كظم الغيظ وتحمل المتاعب والمشاق المتعاقبة على نفوسهم ؛ لتحققهم بمقام الرضا والتسلي بما جرى عليهم من القضاء ، وتمكنهم في مقر التوحيد المسقط للإضافات ، المستلزمة لأنواع الاختلافات والانحرافات { وَ } بالجملة : { مَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 35 ] ونصيب كامل من الكشف والشهود بأسرار الوجود بمقتضى الجود الإلهي . { وَ } بعدما أرشد سبحانه عموم عباده إلى طريق النجاة ، وعلمهم الخصلة المحمودة المخلِّصة لهم عن أدوية الضلالات والجهالات ، وأوصاهم بأا أوصاهم من الصبر والثبات على تحمل المشاق والمكروهات ، خاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم بما خاطب حثاً له ولمن تبعه واسترشد منه على دفع ما يمنعهم عن الاتصاف بتلك الخصال الحميدة ، ويعوقهم منها بالإضلال والإغواء ، فقال : { إِمَّا يَنزَغَنَّكَ } ويعرضن عليك يا أكمل الرسل { مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ } المضل المغوي { نَزْغٌ } نخس يحرك غضبك وحمية بشريتك ، ويوقعن فيك بوسوسته فتنة تبعثك على الإساءة والانتقام بترك تلك الخصلة المحمودة { فَٱسْتَعِذْ } بالله أي : بادر إلى الإعادة والالتجاء { بِٱللَّهِ } المقلب للقلوب ، وفوض أمورك كلها إليه سبحانه على وجه التبتل والإخلاص ؛ لتأمين من غوائله وتلبيساته { إِنَّهُ } سبحانه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لمناجاتك { ٱلْعَلِيمُ } [ فصلت : 36 ] بحاجاتك وخلوص نياتك فيها . ثم قال سبحانه رداً على المشركين ، المتخذين شركاء الله من مظاهره ومصنوعاته ظلماً وزوراً ، يعبدونهم كعبادته : { وَمِنْ آيَاتِهِ } أي : من جملة الدلائل الداتلة على قدرة الصانع الحكيم { ٱلَّيلُ } المظلم { وَٱلنَّهَارُ } المبصر المضيء { وَ } كذا { ٱلشَّمْسُ } المشرق في النهار { وَٱلْقَمَرُ } والمنير في الليل ، قل لهم يا أكمل الرسل على وجه التنبيه والتذكير : { لاَ تَسْجُدُواْ } أي : لا تعبدوا ولا تتذللوا أيها الأظلال الهالكة في شمس الذات { لِلشَّمْسِ } المستهلكة أمثالكم في شروق ذاته سبحانه { وَلاَ لِلْقَمَرِ } المستنير منها بالطريق الأولى . بل { وَٱسْجُدُواْ } وتذللوا بوضع جباهكم وجوارحكم على تراب المذلة { لِلَّهِ } الواحد الأحد القدير العزيز { ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ } أي : أظهرهن ، وأوجده من كتم العدم على سبيل الإبداع بلا سبق مادة وزمان ، بل بمجرد امتداد أظلال أسمائه وبسط عكوس صفاته على مرآة العدم ، فعليكم الإطاعة والإنقياد إليه ، والتوجه نحوه على وجه الإخلاص والاختصاص فاعبدوه { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ } سبحانه { تَعْبُدُونَ } [ فصلت : 37 ] أيها العابدون المخلصون . وبعدما بلغت إليهم يا أكمل الرسل ما بلغت من الحق الحقيق بالقبول والاتباع { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ } واستنكفا عن سجود الله ، وأصروا على ما هم عليه عن سجود الله ، اعرض عنهم وعن نصحهم ، ولا تبالِ لهم وبشأنهم { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل من الملائكة المهيمين ، المستغرقين بمطالعة جماله وجلاله ، والمحدين المفنين هوياتهم في هوية الله { يُسَبِّحُونَ لَهُ } ويقدسون ذاته عن شوب الشركة مطلقاً ، قولاً وفعلاً ، وخاطراً وناظراً { بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي : في عموم الأوقات والحالات { وَهُمْ } من كمال شوقهم وتحننهم { لاَ يَسْئَمُونَ } [ فصلت : 38 ] أي : لا يملون ولا يفترون منها أصلاً .