Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 51-54)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } من شدة طغيان الإنسان ونهاية كفرانه وعدوانه : إنَّا { إِذَآ أَنْعَمْنَا } وأكرمنا من مقام جودنا { عَلَى ٱلإِنسَانِ } المجبول على النسيان { أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي : تباعد عنَّا ، ولم يشكر على نعمنا ، ولم يلتفت إلى موائد كرمنا { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } ولحقه الضر { فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] كثير ممتد عرضاً وطولاً ، وهو كناية عن إلحاحهم ولجاجهم في طلب الكشف والتفريج من الله عند نزول البلاء وإلمام المصيبة . { قُلْ } يا أكمل الرسل لمنكري القرآن والقادحين فيه عدواناً وظلماً : { أَرَأَيْتُمْ } أخبروني { إِن كَانَ } القرآن منزلاً { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } بحسب الواقع مع أنه لا شك فيه { ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } بلا تأمل وتدبر في دلائل صدقه ، وبراهين إعجازه لفظاً ومعى { مَنْ أَضَلُّ } سبيلاً وأخطأ رأياً وطريقاً { مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 52 ] وخلاف شديد عن الحق وقبوله ، وبالجملة : من أضل منكم أيها القادحون المنكرون له مع وضوح محجته وسطوع برهانه . ثم أشار سبحانه إلى وحدة ذاته وظهوره حسب أسمائه وصفاته في عموم مظاهره ومصنوعاته ، وحيطته عليها ، وشموله إياها ؛ ليكون دليلاً على حقية كتباه ، وصدوره منها ، فقال : { سَنُرِيهِمْ } أي : المجبولين على فطرة التوحيد ، المخلوقين على نشأة الإيمان والعرفان ، الموقنين على كمال الكشف والعيان { آيَاتِنَا } أي : دلائل توحيدنا الدالة على وحدة ذاتنا الظاهرة { فِي ٱلآفَاقِ } أي : ذرائر الأكوان الخارجة عن نفوسهم المدركة بآلاتهم وحواسهم ، سميت بها ؛ لطلوع شمس الحقيقة الحقية منها ، وظهورها عليها { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي : ذواتهم التي هي أدل دليل على معرفة الحق ووحدة الحق . لذلك قال أصدق القائلين وأكمل الكاملين : " من عرف نفسه فقد عرف ربه " . وإنما نريهم ما نريهم { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ } ويظهر دونهم وينكشف عليهم { أَنَّهُ } أي : الأمر الظاهر في الآفاق والأنفس { ٱلْحَقُّ } الحقيق بالتحقق والثبوت لصرافة وحدته الذاتية والقرآن المعجز أيضاً ، ومن جملة مظاهره وصفاته . ثم لما أشار سبحانه إلى وحدة ذاته بالنسبة إلى عموم عباده ، أراد أن ينبه على المستكشفين من أرباب المحبة والولاء ، الوالهين في مطالعة وجهه الكريم ، فخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو الحري بأمثال هذه الخطابات ، فقال مستفهماً على سبيل التعجب : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ } أي : أتشكون في وجود مربيك يا أكمل الرسل ومربيهم ، وظهوره وتحققه ، ولم يكف دليلاً { أَنَّهُ } بذاته وعموم أسمائه وصفاته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } مما لاح عليه برق وجوده ورشاشة نوره { شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] حاضر غير مغيَّب عنه . وبالجملة : أو لم يكف لهم دليلاً على تحقق الحق وحضوره مع كل شيء من مظاهره ومصنوعاته . ثم نوَّر سبحانه ما نبه عليه على سبيل التعجب والتلويح تأكيدً ومبالغة وزيادة إيضاح ، فقال : { أَلاَ إِنَّهُمْ } بعدما أضاء لهم شمس الذات من مرايا الكائنات { فِي مِرْيَةٍ } شك وارتياب { مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } فيها ومطالعة وجهه الكريم عنها { أَلاَ إِنَّهُ } بذاته حسب شئونه وتطوراته المتفرعة على أسمائه وصفاته { بِكُلِّ شَيْءٍ } من مظاهره ومصنوعاته { مُّحِيطٌ } [ فصلت : 54 ] بالاستقلال والانفراد ، إحاطة ذاتية بلا شوب شركة ؛ إذ لا موجود سواه ، ولا إله إلا هو . خاتمة السورة عليك أيها السالك المترقب لشهود الحق من ذرائر عموم الجمال والمظاهر الظاهرة في الآفاق والأنفس أن تصفي ضميرك أولاً من وساوس مطلق الأوهام ، والخيالات العائقة من التوجه إلى صرافة الوحدة ، وتجلي خُلدك عن الإضافات الصارفة عنه . فلك أيضاً أن تكون في نفسك متوجهاً إلى ربك الذي هو حصة لا هوتك ، ونشأة جبروتك ، خالياً عنك وعن لوازم ناسوتك وعوارض بشريتك بالمرة ، بحيث لا شعور لك عما جرى على هويتك أصلاً . وبالجملة : كن فانياً في الله ، باقياً ببقائه ، ناظراً بنوره إلى وجهه الكريم تفز بنعيم الجنات وعظيم اللذات ، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .