Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 51-59)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ذكر سحبانه على مقتضى سنته المستمرة مستقر المؤمنين المتقين ومنزلتهم في النشأة الأخرى ، قال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } المجتنبين عن محارم الله في عموم أوقاتهم وحالاتهم ، بعدما انقرضوا عن نشأة الأختبار والابتلاء { فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [ الدخان : 51 ] أي : مقر مأمور مصون عن طريان التغير والانتقال ، محروس عن وصمة الغفلة والضلال ، وبالجملة : { فِي جَنَّاتٍ } منتزهات من العلم والعين والحق { وَعُيُونٍ } [ الدخان : 52 ] جاريات من أنواع المعارف والحقائق والكشوفات والشهودات ، ومن كمال تلذذهم وترفههم باللذات الروحانية { يَلْبَسُونَ } من ألبسة أرباب الكشف والشهود في مراقي درجات القرب والوصول { مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } أي : مما رق وغلظ من عروض المعارف والحقائق إلى أن صاروا { مُّتَقَابِلِينَ } [ الدخان : 53 ] في المحبة ، متماثلين في الوجد والحضور . { كَذَلِكَ } ينكشف لهم الأمر بعد انقراضهم عن نشأة الدنيا وعالم الحجبات { وَ } مع ذلك القرب والوصول والوجد والحضور { زَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [ الدخان : 54 ] مصورة من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية والخصائل السنية التي تأدبوا بها عند ربه في النشأة الأولى . { يَدْعُونَ } أي : يطالب بعضهم بعضاً حين تمكنهم واستقرارهم { فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ } ملذة لأزواجهم واستعداداتهم من الفواكه الحاصلة لهم من شجرة اليقين العلمي والعيني والحقي { آمِنِينَ } [ الدخان : 55 ] من غوائل الشيطان وتسويلاته وتزييناته كما في النشأة الأولى ، وبالجملة : هم أحياء عند ربهم بحياته الأزلية الأبدية ، باقون دائمون ببقائه السرمدي ، بحيث { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ } أي : طعم مرارة الموت المعطل عن التلذذ باللذات الروحانية { إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } التي ذاقوها عند افتراقهم عن لوازم نشأة الإمكان وانقطاعهم عن مقتضيات عالم الناسوت { وَ } بالجملة : بعدما وصلوا إلى فضاء الوجود ، وحصلوا في عالم اللاهوت { وَقَاهُمْ } وحفظهم { عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ الدخان : 56 ] أي : عن عذاب بقعة الإمكان ونشأة الناسوت . وبالجملة : إنما أعطوا ما أعطوا { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل وبمقتضى كرمه وجوده بلا استحقاق منهم واستجلاب بطاعاتهم { ذَلِكَ } الذي بشر الله به عباده المتقين { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ الدخان : 57 ] والفضل الجسيم ، لا فوز أعظم منه وأعلى . { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ } وسهلناه أي : المذكور في القرآن من المعارف والحقائق والرموز والإشارات التي خلت عنها سائر الكتب { بِلِسَانِكَ } وبناء على لغتكت { لَعَلَّهُمْ } أي : الأعراب { يَتَذَكَّرُونَ } [ الدخان : 58 ] أي : يفهمونه ويتعظون بما فيه ، كي يتفطنوا إلى كنوز رموزه وبعدما لم يؤمنوا بك ولم يقصدوا كتابك ، فكيف التذكر والاتعاظ بما فيه ، وبالجملة : { فَٱرْتَقِبْ } وانتظر يا أكمل الرسل ما ينزل عليهم من العذاب { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } [ الدخان : 59 ] منتظرون أيضاً بما ينزل عليك من القهر والغضب على زعمهم الفاسد . جعلنا الله من المتذكرين الفائزين من عنده سبحانه بالفوز العظيم بمنه وجوده . خاتمة السورة عليك أيها السالك المراقب لنفحات الحق ونسمات لطفه الموهبة من عالم قدسه في عموم أحوالك : أن تلازم بالتقوى عن محارم الله ، والاجتناب عن منهياته المنافية لآداب العبودية ، وتداوم على التخلق بالأخلاق المرضية الإلهية ، والاشتغال بالطاعات المقربة نحوه ، والإعراض عن الملاهي الملهية عن التوجه إليه ؛ لتكون من جملة المتقين الفائزين من عنده سبحانه بالفوز العظيم والفضل الكريم .