Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لمَّا بيَّن سبحانه ما يتعلق بمعاش عباده من الحل والحرمة ، والزواج والنكاح وحسن المعاشرة ، ورعاية الآداب المشروعة فيها ، أراد أن يهديهم إلى طريق الرجوع إلى المعاج الذي هو المبدأ بعينه ؛ ليميلوا إليه ، ويتوجهوا نحوه على نية التقرب ، إلى أن وصلوا واتصلوا ، فقال منادياً : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة ذات الحق ، وتنزهه عن صمة الكثرة { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } أ ي : إذا أردتم أن تخرجوا من بقعة الإمكان ، وتميلوا نحو فضاء الوحدة متشوقين ، متقربين { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } أي : فعليكم أن تغسلوا بماء المحبة والشوق ، والجذب الإلهي المحيي ، المنبت لأموت الأرواح من أرض تعينات وجوهكم التي تلي الحق عن رين الإمكان ، وشين الكثرة . { وَ } طهِّروا { أَيْدِيَكُمْ } أي : قصِّروها عن أدناس الأخذ والإعطاء من حطام الدنيا وأقذارها { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } أي : مبالغين في تطهيرها إلى أقصى الغاية { وَ } بعدما غسلتم الوجوه ، وطهرتم الأيدي { ٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } أي : امحوا ، وحكوا أنانيتكم وهويتكم التي منها طبلكم وأدبكم { وَ } احوا أيضاً { أَرْجُلَكُمْ } وأقدامكم التي بها سلكوككم وطلبكم { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } إلى أن ينقعط سيركم وسلوككم بالفناء فيه { وَإِن كُنتُمْ } أيها المائلون نحو الحق { جُنُباً } منغمسين في خبائث الإمكان وقاذوراتها { فَٱطَّهَّرُواْ } فعليكم المبالغة في التطهير بالرياضات الشاقة من قطع التعلقات ، وترك المألوفات والمشتهيات ، وبالركون إلى الموت الإداري ، والخروج عن الأوصاف البشرية . { وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ } من الأبرار الذين مرضوا بسموم الإمكان ، وبحموم نيرانه وصاروا محبوسين فيه بلا قدم وإقدام { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } من السالكين ، السائرين نحو الحق بلا ممد { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ } أي : رجع من التلوث والتندس بغلاظ أدناس الدنيا من جاهها ومالها ورئاستها { أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } واستكرهتموهن ؛ لأنهن أقوى من بحائل الشيطان وشباكها ، يصرف بها أهل الإرادة عن جادة السلامة { فَلَمْ تَجِدُواْ } في هذه الصورة من لدن نفوسكم وقلوبكم { مَآءً } شوقاً إلى الحق ، مطهراً لخبائث نفسوكم ، قالعاً لها مطلقاً ، ومحبة مزيلة لدرن التعلقات ، وجذباً مفرطاً من جانب الحق ، مزعجاً ملجئاً إلى الفناء . { فَتَيَمَّمُواْ } أي : فعليكم أن تقصدوا ، وتتوجهوا { صَعِيداً طَيِّباً } مرشداً كاملاً ومكملاً طاهراً عن جميع الرذائل والآثام العائقة عن الوصول { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ } إي : هوياتكم الباطلة { وَأَيْدِيكُمْ } أي : أوصافكم الذميمة ، العاطلة { مِّنْهُ } أي : من تراب أقدام ، وثرى سدته السنية ؛ لعلة يرشدكم إلى النجاة عن مضيق التعيينات نحو قضاء الذات { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } المدبر لأموركم { لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم } ويبقى فيكم { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } يمنعكم عن الوصل إلى ما جبلتم لأجله { مِّنْ حَرَجٍ } ويصفيكم أولاً من التعيين وأدناسها { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } ثانياً مما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ المائدة : 6 ] حيثن تفوزون ما تفوزون .