Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 95-96)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أردفه سبحانه بما يدل على جبره بعد انسكاره ؛ رفعاً للحرج عن عباده ، مصرحاً بتحريمه ونهيه أولاً ، فقال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم أن { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَ } الحال أنه { أَنْتُمْ حُرُمٌ } محرمين للحج { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم } في أوقات إحرامه { مُّتَعَمِّداً } قاصداً { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } أي : لزمه ؛ جبراً لما انكسر ، ذبح مثلما قتل من النعم في النفع والفائدة ؛ لسد جوعه الفقراء والمساكين { يَحْكُمُ بِهِ } يمماثلته { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } حال كون ذلك المجازي ناوياً { هَدْياً } يذبح لله ولرضاه { بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } أي : عندهما ويتصدق بها للفقراء والمساكين . { أَوْ } لزم عليه { كَفَّارَةٌ } وهي { طَعَامُ مَسَاكِينَ } أي : يشتري بثمن ذلك المثل الذي يحكم به ذوا عدل طعاماً ويتصدق به للفقراء ، يعطي كل واحد منهم مداً من الطعام { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } أو لزمه صيام مدة مساوية لعدد الفقراء إذا أطعم بثمنها عليهم سر كل تلك التكاليف الشاقة { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } أي : ثقله وشدته وفظاعته ، ووخامة عاقبته ؛ إذ هو إبطال لصنع الحق حين حماهُ الحقُّ ، ونهى عن التعرض . وعليكم أن تحافظوا على النهي بعد الورود ، ولا تخافوا عمَّا قبله ؛ إذ { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } أي : محا عن الديوان ، وأسقط عن الحساب ما اكتسبتم من الجرائم حين كونكم تائيهن في بيداء الغفلة { وَمَنْ عَادَ } عليها بعدما نبه وتنبه { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } ويؤاخذه عليه ويحاسبه عنه ، ويجازيه على مقتضى حسابه { وَ } لا تغتروا بحلمه وإمهاله ومجاملته ؛ إذ { ٱللَّهُ } المستغني في ذاته عن جميع الشؤون والنشأة { عَزِيزٌ } غالب غيور ، متكبر ، قهور { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [ المائدة : 95 ] عظيم ، وبطش شديد على من تخلَّف عن حكمه ، وأصرَّ عليه . نعوذ بفضلك من عذابك يا ذا القوة المتين . { أُحِلَّ لَكُمْ } أيها المحرمون { صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } مائي المولد مظلقاً إلا ما تستكرهه طباعكم { وَطَعَامُهُ } أكله { مَتَاعاً لَّكُمْ } يمتعون بها مجاناً { وَ } كذا { لِلسَّيَّارَةِ } للتجارة والزيارة وغيرها تتزودون منها { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } أي : من أول مدة إحرامكم إلى أول الحل { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ المائدة : 96 ] وتساقون أيها المؤمنون . وعليكم الحذر والاتقاء عن التعرض بمصنوعاته بقهر وغلبة في جميع حالاتكم سيما عد لبس الإحرام الذي هو كفن الفناء المعنوي ، والموت الحقيقي عند أولي الألباب الناظرين إلى لب الأحكام وزبدته . وكما أنَّ في الموت الصوري لا يبقى للقوى والأوصاف الظاهرة آثار وأفعال ، بل تعطلت ، وانمحت ، وتلاشت بحيث لا يتوقع منها ذلك أصلاً ، كذلك في الموت الإرادي الذي هو عبارة عن حج العارف لا بد من إحرامه ، وتعطيله أعضاءه وجوارحه عن مقتضيات الأوصاف البشرية والقوى الحيوانية ، وعن جميع التعينات الجمسانية والرحانية ، والغيبية والشهادية ، والظاهرية والباطنية ، وبالجلمة : عن جميع الإضافات والكثرات الحاجبة لصرافة الوحدة الذاتية ، المستهلكة عنها جميع ما يتوهم من الأضلال والعكوس . لذلك صار الموت الإرادي أشدُّ في الانمحاء ، وأغرقُ في الفناء من الموت الصوري ؛ إذ ينتهي الأمر في الموت الإرادي إلى العدم والصرف والفناء المطلق الذي ما شمَّ رائحة الوجود أصلاً ، فكيف تخلل الموت والحياة ، والوجود والعدم ، وتاهت في بيداء ألوهيته أنظار العقل وآرائه ؟ .