Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 52-60)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَذَلِكَ } أي : الأمر والحكم مثل ذلك أنذرهم ، وبلغهم بلا مبالاة بإعراضهم واستهزائهم ؛ إذ { مَآ أَتَى } الضالين المسرفين { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ } من الرسل الكرام { إِلاَّ قَالُواْ } حين دعوتهم إلى الإيمان والتوحيد { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 52 ] مثل ما يقول هؤلاء الحمقى في شأنك يا أكمل الرسل . ثم قال على سبيل التعجب والإنكار : { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي : أوصى بعضهم بعضاً ؛ أي : أسلافهم لأخلاقهم بهذا القول والتكذيب ، فتواطئوا عليه جميعاً ، مع أنه لا يمكنهم هذه التوصية في الأزمنة الطويلة { بَلْ هُمْ } أي : هؤلاء الأخلاف { قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 53 ] مشاركون في الغي والضلال والعدوان مع أسلافهم في أهل فطرتهم وجبلتهم ؛ لذلك اتصفوا بما اتصفوا لاشتراك السبب بينهم . وبعدما أصروا على ما هم عليه من العناد ، ولم تنفعهم الآيات والنذر : { فَتَوَلَّ } واعرض { عَنْهُمْ } يا أكمل لرسل بعدما بذلت وسعك في إرشادهم وإهدائهم { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [ الذارايتت : 54 ] على إعراضك عنهم ، وانصرافك عن إرشادهم ودعوتهم بعد المبالغة . { وَذَكِّرْ } للقوابل والمستحقين { فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ } والعظمة { تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] الموفقين من لدنَّا على الإيمان ، المجبولين على فطرة اليقين والعرفان . { وَ } اعلم أني { مَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ } وما أظهرت أشباحهم وأظلالهم على هذه الهياكل والهويات ، وما صوَّرتهم على هذه الصور البديعة ، ما أودعت فيهم ما أودعت من جوهر العقل المفاض { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ويعرفوني ، ويتحققوا بوحدتي واستقلالي في وجودي ، وفي عموم تصرفاتي ، وباستحقاقي للإطاعة والعبودية مطلقاً بلا شوب شركة ومظاهرة من أحد . وإلا { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم } وبخلقهم وإظهارهم { مِّن رِّزْقٍ } أي : تحصيل رزق صوري أو معنوي أرزق به عبادي ؛ إذ خزائن أرزاقي مملوءة ، وذخائر رحمتي متسعة { وَ } أيضاً { مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [ الذاريات : 57 ] أي : على الفقراء الذين هم عيالي طلباً لمرضاتي . كما جاء في الحديث صلوات الله على قائله : " يقول الله عز وجل : استطعمتك فلم تطعمني " أي : لم تطعم عبدي الجائع . وكيف أريد منهم أمثال هذا { إِنَّ ٱللَّهَ } المتوحد بالأوهية والربوبية { هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } المنحصر المخوص في ترزيق عموم العباد ، لا رازق لهم سواه { ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } [ الذاريات : 58 ] والطول العظيم المقتدر الحاكم ، الغالب على عموم مراداته ومقدوراته على وجه الإحكام من الإنعام والانتقام . وبالجملة : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } على الرسول صلى الله عليه وسلم بأنواع التكذيب والإنكار والاستهزاء والاستحقار { ذَنُوباً } حظاً وافراً ونصيباً كاملاً من العذاب الآجل العاجل { مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي : مثل نصيب أسلافهم من الكفرة المكذبين للرسل الماضين ، وسليحقهم مثل ما لحقهم ، بل بأضعافه وآلافه { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } [ الذاريات : 59 ] لحوقه وحلوله . وبالجملة : { فَوَيْلٌ } عظيم ، وعذاب شديد هائل نازل { لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } ستروا الحق ، وأعرضوا عنه ، وأظهروا الباطل ، وأصروا عليه { مِن يَوْمِهِمُ } الفظيع الفجيع { ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [ الذاريات : 60 ] في النشأة الأخرى ، وهو يوم القيامة المعدة لتعذيب العصاة والغواة وتفضيحهم فيه . جعلنا الله من الآمنين فيه ، الناجين من عذاب بفضله ولطفه . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المجبول على فطرة المعرفة واليقين ، أن تتفكر في حكمة ظهورك ومصلحة بروزك من كتم العدم في معرفة نفسك في عموم أحوالك ؛ لينكشف لك من التأمل فيها الإطلاع على موجدها ومظهرها واتصافه بالأوصاف الكاملة والأسماء الشاملة . ثم منها إلى توحيده واستقلاله في الوجود ، وعموم الآثار المترتبة عليها ، حتى تفوز إلى غاية قصواك ومبتغاك من اليقين والإيمان ، ونهاية ما يترتب على ظهورك من التوحيد والعرفان ، والله المستعان وعليه التكلان .