Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته ، وكمالات أسمائه وصفاته : أن { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي } وهم الذين خرجوا من عروة وعبوديتي بإثبات الوجود لغيري { وَعَدُوَّكُمْ } إذ عداوتهم إياي مستلزمة لعداوتهم إياكم أيضاً ؛ إذ صديق العدو كعدو الصديق { أَوْلِيَآءَ } أحباء ، توالون معهم كأرباب المحبة والولاء ، وتظهرون محبتهم ومودتهم إلى حيث { تُلْقُونَ } ترسلون { إِلَيْهِمْ } رسالة مشعرة { بِٱلْمَوَدَّةِ } الخالصة ، المنبئة عن إفراط المحبة والإخاء { وَ } الحال أنهم { قَدْ كَفَرُواْ } وأعرضوا { بِمَا جَآءَكُمْ } أي : بعموم ما نزل على رسولكم { مِّنَ ٱلْحَقِّ } الحقيق بالإطاعة والاتِّباع ، وبالغوا في الإعراض والإنكار إلى حيث { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ } أصالةً { وَإِيَّاكُمْ } تبعاً بوسطة { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } الذي رباكم على فطرة التوحيد والإيمان ، وقبول دين الإسلام من النبي المبعوث إلى كافة الأنام ؛ ليشردهم إلى دار السلام . وبالجملة : { إِن كُنتُمْ } أيها المؤمنون الموحدون { خَرَجْتُمْ } عن أوطانكم ، وبقاع إمكانكم { جِهَاداً } أي : لأجل الجهاد والقتال { فِي سَبِيلِي } أي : سبيل توحيدي ، وترويج ديني ، وإعلاء كلمة توحيدي { وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } في امتثال أمري ، وإطاعة حكمي فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمؤاخاة معهم ، مع أنكم أنتم { تُسِرُّونَ } وتخفون { إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } ظناً منك أني لا أطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم { وَ } الحال أنه { أَنَاْ أَعْلَمُ } منكم { بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } أي : بجميع ما تسرون وما تعلنون { وَ } بالجملة : { مَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي : الاتخاذ المذكور { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ الممتحنة : 1 ] أي : انحرف عن جادة العدالة الإلهية ، ومال عن الصراط المستقيم الموصل إلى مقصد التوحيد . واعلموا أيها المؤمنون أنكم ، وإن بالغتم في إظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم ، وهم بمكان من العداوة وشدة الخصومة إلى حيث { إِن يَثْقَفُوكُمْ } ويظفروا منكم بالفرض والتقدير { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً } ألبتة ، بل يظهروا العداوة { وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ } بالقتل والأسر وقطع العضو ، والشتم المفرط ، وأنواع الوقاحة ، بل { وَوَدُّواْ } وتمنوا في أنفسهم دائماً { لَوْ تَكْفُرُونَ } [ الممتحنة : 2 ] وترتدون عن دينكم ، وتلتحقون بكفرهم . فعليكم ألاَّ تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ، ولا تلتفتوا نحوهم ؛ إذ { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } قراباتكم { وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة ؛ لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس ؛ إذ الله { يَفْصِلُ } ويفرق { بَيْنَكُمْ } يومئذٍ ، فيجازي كلاً منكم حسب ما كسبوا خيراً كان أو شراً { وَٱللَّهُ } المطل على عموم أفعال عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } من الحسنات والسيئات { بَصِيرٌ } [ الممتحنة : 3 ] يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته .