Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 73-75)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ } بالله ، ولم يتفطنو سر سريان وحدته الذاتية السارية في جميع الأكوان ، ولم يتنبهوا للفناء في ذاته ، ومع ذلك كذبوا لرسل المنبهين ، المبشرين المنذرين إصلاحاً لهم وإرشاداً ، أولئك الأشقياء المردودون { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } يتعاونون ويتعاضدون في كفرهم وجهلهم { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } أي : ألا تفعلوا ما أمرتم به من الموالاة والمواصلة ، والنصر والمعاونة { تَكُنْ فِتْنَةٌ } سارية { فِي ٱلأَرْضِ } أي : طبيعة العدم { وَ } حدث فيها { فَسَادٌ كَبِيرٌ } [ الأنفال : 73 ] هو غفلة الأظلال عن الذات ، والظل والصور عن ذي الصورة ، والعكوس عما انعكس فيها . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } أي : سلكوا وسافروا ، وبعدما تحققوا باليقين العلمي { وَجَٰهَدُواْ } أي : ارتضاوا ؛ أي : انخلعوا عن جلباب التعين { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي هو الفناء فيه ؛ ليتحققوا باليقين العيني { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ } ووالوا ألوياء الإرادة { وَّنَصَرُوۤاْ } أرباب الطلب { أُولَـٰئِكَ } الواصلون المبرزون { هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المتحققون ، المبثتون في مرتبة اليقين الحقي { حَقّاً } ثابتاً بلا دغدغة استكمال وانتظار ، متقرراً في مقر التوحيد ومقعد المصدق عند مليك مقتدر { لَّهُمْ } بعد وصولهم إلى مقرهم { مَّغْفِرَةٌ } ستر لأنانيتهم التي كانوا عليها على مقتضى تعيناتهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ الأنفال : 74 ] من الكشف والشهود ، نزلاً ن عند العزيز العليم . ثمَّ بشَّر سبحانه بما بشَّر به من اقتفى أثركم أيها المكاشفون الواصلون ، وسلك سبيلكم من أصحاب الإرادة والطلب ، فقال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ } كما هاجرتم أيها الفائزون الواصلون { وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } في سبيل الله وترويج دينه وسنته بأنفسهم وأموالهم كما جاهدتم أنتم { فَأُوْلَـٰئِكَ } المجاهدون الباذلون { مِنكُمْ } أي : من جملتكم وعدادكم ، وأجرهم عند الله مثل أجركم ، وهم إخوانكم وأرحامكم في الدين { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } وذووا المناسبات والقرابات في الدين والعرفان { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } في الولاية والنصر ، والمصاحبة والمؤاخاة { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي : في حضرة علمه ولوح قضائه { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي على ذرائر الآفاق { بِكُلِّ شَيْءٍ } من رقائق المناسبات ودقائقها { عَلِيمٌ } [ الأنفال : 75 ] بعلمه الحضوري ، لا يعرب عن حضوره شيء . خاتمة السورة عليك أيها المتوجه نحو الفناء ، المهاجر عن ورطة الغفلة والغرور ، أن تقتفي في سلوكك هذا أثر أهل الهجرة والنصرة المرابطين قلوبهم لتوحيد الجق ، الباذلين مهجهم في تقوية من ظهر عليه صلى الله عليه وسلم وترويج دينه سنته ، المتخلقين بأخلاقه ، المتعطشين بزلال مشربه المستظلين بظل روائه ، المستمسكين بعروة ولايته ، ولا يحصل لك هذا إلا بالركون والإعراض التام عن متقضيات القوى البشرية ولوازم الطبيعة مطلقاً ، كهؤلاء الكرام المنخلعين عن جميع ما يشوشهم من لوازم هوياتهم في معاشهم حتى عن الأهل والأوطان . لذلك انكشف لهم من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات إلى حيث اضمحلت عن عيون بصائرهم ما سوى الحق مطلقاً ، وصاروا فانين في الله ، متحققين بمقام " وبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش … " ، ولك في عزيمتك هذا التشبث بكتاب الله الذي هو المرشد الحقيقي ، وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبكلمات المشايخ العظام - قدس الله أرواحهم - ولا سيما ذلك الاستمداد من قلوب البدلاء والوالهين ، الحائرين بمطالعة وجه الله الكريم ؛ إذ هم لاستغراقهم في بحر الشهود انخعلوا عن لوازم هوياتهم ، وما لنا من حالاتهم إلا الحسرة والعبرة إن كنا من أهل الاعتبار والاستبصار . ربنا اهدنا إليك بأي طريق شئت ، إنك بفضلك وجودك تهدي من تشاء من عبادك وإنك على ما تشاء قدير .