Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-8)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ } المعبرَّر بها عن العلويات والمتأثرات عن الأسماء والصفات الإلهية { ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] انشقت وانخرقت ، ولم يبق قابليتها للتأثر والاستعداد من الأسماء والصفات . { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ } التي تعينت عليها بالهويات ، وتكثرت بالهياكل والماهيات { ٱنتَثَرَتْ } [ الانفطار : 2 ] وتفرقت أوضاعها ، وتلاشت أشكالها وهيئاتها . { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ } المستحدثة من صعود الأمواج المتراكمة ، المترادمة على بحر الوجود واتصف كل واحد منها بالصفات المتنوعة ، مثل الغيب والشهادة ، والأولى والأخرى ، إلى غير ذلك من العوالم التي لا تُعدّ ولا تُحصى { فُجِّرَتْ } [ الانفطار : 3 ] انفجرت وانفتحت بعضها على بعض ، وارتفعت صور الأمواج ، واتصل الكل فصار بحراً واحداً وحدانياً على ما كان أزلاً وأبداً . { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ } المندرسة المتنكسة التي لم يبق في أجوافها شيء من أمارات عالم الناسوت { بُعْثِرَتْ } [ الانفطار : 4 ] قلبت وبحثرت ، وخرج من مطاوبها ما فيها من حصة عالم اللاهوت . { عَلِمَتْ } يومئذٍ { نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ } في نشأة الاختبار والاعتبار من صوالح الأعمال ، ومحاسن الأخلاق والأطوار { وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] أهملت وتركت فيها منها . ثمَّ نادى سبحانه مظهر الإنسان ، المصور بصورة الرحمن بداءً معاتبةً وتخجيلاً على ما عرض عليه من الغفلة والنيسان ، مع أنه جُبل على فطرة التوحيد والعرفان ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } المنعم عليك بأنواع الإنعام والإحسان { مَا غَرَّكَ } أي : أيّ شيء خدعك ومكر بك حتى جبرك على الكفر والعصيان { بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] ؟ ! { ٱلَّذِي خَلَقَكَ } أوجدك وصوَّرك في أحسن تقويم { فَسَوَّاكَ } أي : سوَّى أعضاءك وجوارحك سليمة عن مطلق العيوب . { فَعَدَلَكَ } [ الانفطار : 7 ] أي : جعلك معتدل المزاج ، متناسب الأعضاء ، مطبوع الهيكل . وبالجملة : { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } [ الانفطار : 8 ] يعني : في أيّ صورة بديعة عجيبة ، ممتازة عن صور عموم الحيوانات تعلَّق بها مشيئته وإرادته ركبك عليها ؛ أيك انتخب صورتك من صور جميع المظاهر فركبك عليها . قيل للفضيل بن عياض - قُدِّس سره - : لو أقامك الله تعالى يوم القيامة ، وقال : يا فضيل ما غرَّك بربك الكريم ، ماذا كنت تقول ؟ فقال : أقول : غرني ستورك المرخاة . وقال يحيى بن معاذ - قُدِّس سره - : لو أقامني سبحانه بين يديه ، فقال : يا يحيى ما غرَّك بي ؟ قلت : غرَّني برك بي سالفاً وآنفاً . وقال أبو بكر الوراق - قُدِّس سره - : لو قال لي : ما غرَّك بربك الكريم ؟ لقلت : كرم ربي الكريم . وأنا الفقير الحقير ، خادم الفقراء وتراب أقدامهم ، أقول لو قال لي ربي : ما غرَّك بربك ؟ لقلت : كفالتك بي ، وكونك سمعي وبصري ، وعموم قواي ومشاعري ، يا ربي .